للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْن عَبْد الْبَر: قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيث جَمَاعَة كَثِيرَة مِنْ الصَّحَابَة، وَرَوَى ذَلِكَ عَنْهُمْ أَمْثَالهمْ مِنْ التَّابِعِينَ، ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْجَمّ الْغَفِير إِلَى أَنْ اِنْتَهَى إِلَيْنَا. (١)

قَال القاضي عياض: بعد ما ذكر أن كثيرًا من الآيات المأثورة عنه - معلومة بالقطع - ما نصه: أما انشقاق القمر؛ فالقرآن نص بوقوعه، وأخبر بوجوده، ولا يعدل عن ظاهر إلا بدليل، وجاء برفع احتماله صحيح الأخبار من طرق كثيرة، فلا يوهن عزمنا خلاف أخرق منحل عرى الدين، ولا يلتفت إلى سخافة مبتدع يلقي الشك في قلوب ضعفاء المؤمنين، بل نرغم بهذا أنفه، وننبذ بالعراء سخفه. (٢)

[الوجه الرابع: الإجماع على وقوع هذه المعجزة.]

وقد روى حديث الانشقاق جماعةٌ، منهم: عبد الله بن عمر، وحذيفة، وجبير بن مطعم، وابن عباس، وأنس بن مالك، وعلى هذا جميع المفسرين، إلّا أن قومًا شذُّوا فقالوا: سيَنْشَقُّ يوم القيامة، وهذا القول الشاذ لا يقاوم الإجماع. (٣)

وقال ابن حجر: أجمع المفسرون وأهل السير على وقوعه. (٤)

[الوجه الخامس: ذكر المعجزة في القرآن دليل على ثبوتها.]

فلو أن القرآن سجل شيئًا لم يقع، أي: لو أن القمر لم ينشق لكانت الفرصة لكفار قريش ليقولوا: محمد يزعم أن القمر قد انشق وأننا رأيناه، وأننا قد قلنا هذا سحر وما وقع من ذلك شيء، أما المسلمون فكان منهم من سيرتد عن الإسلام إذ كيف يكذب عليهم ويقول وقع انشقاق ولم يقع؟ .

ولكن ما الذي حدث؟ الذي حدث أن ثبت المسلمون على إسلامهم واستمروا على إيمانهم وازدادوا إيمانًا، وتحول الكفار من الكفر إلى الإسلام وأصبحوا بعد ذلك من جيش الإسلام.

أما عن قولهم أن المراد بقوله: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} أي: سينشق يوم القيامة:


(١) نقلًا عن فتح الباري (٧/ ١٨٦).
(٢) الشفا للقاضي عياض (٢٥٥).
(٣) زاد المسير لابن الجوزى (٨/ ٨٨).
(٤) فتح الباري (٧/ ١٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>