وجود الفاعل أمر ثابت لها لذواتها وأعيانها وما كان كذلك لم يكن سبب الفعل والجعل فلم يمكن حمل قوله {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} على هذا الوجه فوجب حمله على الوجه الذي ذكرناه.
والجواب عليه:
الاستدلال بقوله تعالى:{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} , وأن المراد به كبر القدر والشرف لا كبر الجثة ففي غاية الفساد، فإن المراد من الخلق ههنا الفعل لا نفس المفعول وهذا من أبلغ الأدلة على المعاد أي: أن الذي خلق السموات والأرض وخلقها أكبر من خلقكم كيف يعجزه خلقكم بعدما تموتون خلقا جديدا ونظير هذا في قوله في سورة يس: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} أي: مثل هؤلاء المنكرين فهذا استدلال بشمول القدر للنوعين وأنها صالحة لهما فلا يجوز أن يثبت تعلقها بأحد المقدورين دون الآخر فكذلك قوله: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} أي: من لم تعجز قدرته عن خلق العالم العلوي والسفلي كيف يعجز عن خلق الناس خلقًا جديدًا بعد ما أماتهم ولا تعرض في هذا لأحكام النجوم بوجه قط ولا لتأثير الكواكب.
وأما قوله -سبحانه وتعالى:{وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} فلا ريب أن خلق السموات والأرض من أعظم الأدلة على وجود فاطرهما وكمال قدرته وعلمه وحكمته وانفراده بالربوبية والوحدانية ومن سوى بين ذلك وبين البقة وجعل العبرة والدلالة والعلم بوجود الرب الخالق البارئ المصور منهما سواء فقد كابر والله سبحانه إنما يدعو عباده على النظر والفكر في مخلوقاته العظام لظهور أثر الدلالة فيها وبديع عجائب الصنعة والحكمة فيها واتساع مجال الفكر والنظر في أرجائها وإلا:
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
ولكن أين الآية والدلالة في خلق العالم العلوي والسفلي إلى خلق القملة والبرغوث والبقة فكيف يسمح لعاقل عقله أن يسوي بينهما ويجعل الدلالة من هذا كالدلالة من