إن الله سبحانه وتعالى أكرم الإنسان وتفضَّل عليه بنعم لا يحصيها العد، ولا يقف بها الحساب عند حد، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨)} [النحل: ١٨]، ولقد امتحن الله الإنسان في هذه الحياة الدنيا بأنواع الفتن من مال وبنين ونساء وإخوان وأصدقاء وغيرها، وإنما كان الافتتان بتلك الشواغل وهذه الفتن ليعلم الله الذين صدقوا وليعلم الكاذبين.
فإن العدو الذي انتصب في الميدان خصمًا قد أعلن عن خصومته وعداوته وحربه وسلاحه، إذ قال:{وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}(النساء: ١١٩)، وقال تعالى: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} الأعراف: ١٦ - ١٧)، وكل ذلك لا سبيل للإنسان إلى معرفته من قِبل نفسه، ولا وصول له إليه بعقله مستقلًا، فإنها أمور خارجة عن حسه، وعالية عن متناول تفكيره وذهنه، وجماع ما يكيد به العدو للإنسان ويجلب عليه به بخيله ورجله: الشبهات والشهوات يقذف بها على القلوب والنفوس، ويوالي ذلك متابعًا حتى يصيب القلوب بالأمراض الفتاكة والعلل القتالة فتعرض عن ربها وبارئها.
ووقاية القلوب من تلك الأمراض وهذه العلل إنما يكون بإرسال الرسل، فإن صلاح القلوب لا يكون إلا بمعرفتها بربها وفاطرها، ولا سبيل إلى ذلك إلا من جهة الرسل المبلغين عن الله، ومن هنا نعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول وما جاء به وتصديقه فيما أخبر به وطاعته فيما أمر، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا ينال رضا الله إلا على أيديهم، فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأعمال والأخلاق،