للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول سير توماس أرنولد (١): لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي. ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها فرود وايزابلا دين الإسلام من أسبانيا، أو التي جعل بها لويس الرابع عشر المذهب البروتستانتي مذهبًا يعاقب عليه متبّعوه في فرنسا، أو بتلك السهولة التي ظل بها اليهود مبعدين عن إنكلترا مدة خمسين وثلاثمائة سنة. وكانت الكنائس الشرقية في آسيا قد انعزلت انعزالًا تامًا عن سائر العالم المسيحي الذي لم يوجد في جميع أنحائه أحد يقف إلى جانبهم باعتبارهم طوائف خارجة عن الدين. ولهذا فإن مجرد بقاء هذه الكنائس حتى الآن ليحمل في طياته الدليل القوي على ما قامت عليه سياسة الحكومات الإسلامية بوجه عام من تسامح نحوهم.

يقول المستشرق الدومييلي (٢): إن السكان الساميين في سوريا ومصر، الذين قاسوا كل صنوف الضغط والهول -على الأخص بسبب الضرائب- من قبل الحكومات الأجنبية التابعة للدولة البيزنطية أو المملكة الساسانية، لم يستطيعوا أن يروا في العرب إلا محررين مخلصين، كما أن المسيحيين القائلين بوحدة الطبيعة طبيعة المسيح -عليه السلام- في الشرق استطاعوا أن يعتمدوا على التسامح الإسلامي، بعد أن كانوا يخشون الاضطهاد من قبل نصارى القسطنطينية (٣).

كانت شروط الفتح الإسلامي تسمح ببقاء بذور الحضارات القديمة عند طوائف كبيرة من الأهالي الذين واصلوا التمتع بعاداتهم، وقوانينهم، ولغاتهم، على شريطة أن


(١) الدعوة إلى الإسلام صـ ٩٤.
(٢) مستشرق فرنسي، تفرغ لتاريخ العلوم، تولى وكالة المجمع الدولي لتاريخ العلوم وأسس مجلة اركيون- التي تسجل نشاطه.
من آثاره: تاريخ العلوم باريس ١٩٣٥، العلم العربي وأثره في التطوير العلمي العالمي ١٩٣٨، علم الفلك في العالم الإسلامي ١٩٤١، علم النبات عند العرب ١٩٤١، علم الجغرافيين العرب ١٩٤١، العلم الإسلامي ١٩٤٢، الرياضيات العربية ١٩٤٢، التشريح العربي ١٩٤٢، وغيرها.
(٣) العلم عند العرب صـ ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>