للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الرغم من خطة التسامح الديني التي كان ينتهجها المسلمون الأولون، أو بسبب هذه الخطة اعتنق الدين معظم المسيحيين، وجميع الزردشتيون والوثنيون إلا عددًا قليلًا جدًّا منهم، وكثيرون من اليهود. وحيث عجزت الهلينية عن أن تثبت قواعدها بعد سيادة دامت ألف عام، وحيث تركت الجيوش الرومانية الآلهة الوطنية ولم تغلبها على أمرها، وفي البلاد التي نشأت فيها مذاهب مسيحية خارجة على مذهب الدولة البيزنطية الرسمي، فإن في هذه الأقاليم كلها انتشرت العقائد والعبادات الإسلامية، وآمن السكان بالدين الجديد وأخلصوا له، واستمسكوا بأصوله إخلاصًا واستمساكًا أنساهم بعد وقت قصير آلهتهم القدامى، واستحوذ الدين الإسلامي على قلوب مئات الشعوب في البلاد الممتدة من الصين وحتى الأندلس، وتملك خيالهم وسيطر على أخلاقهم، وصاغ حياتهم، وبعث فيهم آمالًا تخفف عنهم بؤس الحياة ومتاعبها، وأوحى إليهم العزة والألفة، حتى بلغ عدد من يعتنقونه ويعتزون به في هذه الأيام مئات الملايين من الأنفس، يوحد هذا الدين بينهم، ويؤلف قلوبهم مهما يكن بينهم من الاختلافات والفروق السياسية (١).

في وسعنا أن نحكم على ما كان للدين الإسلامي من جاذبية للمسيحيين من رسالة كتبت في عام ١٣١١ م تقدر عدد سكان غرناطة المسلمين في ذلك الوقت بمائتي ألف، كلهم ما عدا ٥٠٠ منهم من أبناء المسيحيين الذين اعتنقوا الإسلام. وكثيرًا ما كان المسيحيون يفضلون حكم المسلمين على حكم المسيحيين (٢).

(إن المسلمين -كما يلوح- كانوا رجالًا أكمل من المسيحيين، فقد كانوا أحفظ منهم للعهد، وأكثر منهم رحمة بالمغلوبين، وقلما ارتكبوا في تاريخهم من الوحشية ما ارتكبه المسيحيون عندما استولوا على بيت المقدس في عام ١٠٩٩ م) (٣).


(١) قصة الحضارة ١٣/ ١٣٣.
(٢) قصة الحضارة ١٣/ ٢٩٧.
(٣) المصدر السابق ١٣/ ٣٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>