للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثاني: مظاهر رحمته - صلى الله عليه وسلم -]

قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨].

فالرسول - صلى الله عليه وسلم - عربي قرشي معروف النسب، لم يطعن أحد في صحة نسبه وكرم محتده، فمخاطبة الله تعالى للعرب بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أنفسهم تذكير لهم بأنه لهم ناصح ومحب، وعليهم مشفق، وعلى هدايتهم حريص، وأنه بهم رفيق وعليهم مشفق، يشق عليه ضلالهم ويفرح لهدايتهم، ووردت أحاديث كثيرة تبين بعض مظاهر الرحمة المهداة، والمتمثلة بالمصطفى - صلى الله عليه وسلم - فمن ذلك وفاته - صلى الله عليه وسلم - قبل أمته ليكون لها سلفًا ففي الحديث: "إِنَّ الله عزَّ وجلَّ إِذَا أَرَادَ رَحْمَةَ أُمَّةٍ مِنْ عِبَادِهِ قَبَضَ نَبِيَّهَا قَبْلَهَا فَجَعَلَهُ لَهَا فَرَطًا وَسَلَفًا بَيْنَ يَدَيْهَا وَإِذَا أَرَادَ هَلَكَةَ أُمَّةٍ عَذَّبَهَا وَنَبِيُّهَا حَيٌّ فَأَهْلَكَهَا وَهُوَ يَنْظُرُ فَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِهَلَكَتِهَا حِينَ كَذَّبُوهُ وَعَصَوْا أَمْرَهُ" (١).

ومن وقائع السيرة النبوية أن ثقيفًا آذت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما ذهب إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام؛ حتى رشقوه بالحجارة وأدموا قدميه، وخيره الله تعالى أن يعاقبهم فيطبق عليهم الجبال، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الله وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا". (٢)

وكان - صلى الله عليه وسلم - أمنا لأمته في حياته، كما أن الاستغفار أمن لها بعد وفاته قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: ٣٣].

وهو رحمة عامة كما جاء في القرآن {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} كما أنه نور يضيء طريق الهداية للناس قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (٤٦)} [الأحزاب: ٤٥: ٤٦].


(١) مسلم (٢٢٨٨).
(٢) البخاري (٣٠٥٩)، ومسلم (١٧٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>