للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثاني: نقد الرواية وتوجيه المسألة]

وهذا كله باطل وكذب. والصحيح أن الخلاف بين عليّ ومعاوية -رضي اللَّه عنهم- كان حول مدى وجوب بيعة معاوية وأصحابه لعليّ قبل توقيع القصاص على قتلة عثمان أو بعده، وليس هذا من أمر الخلافة في شيء.

وعلى هذا، فلم تكن معركة صفين مختلفة عن واقعة الجمل بأطرافها أو الغاية منها، لذا ذكر علماء التاريخ أن سبب الخلاف والقتال بين عليّ ومعاوية في صفّين لم يكن بسبب أن لمعاوية طمعًا وتطلعًا للخلافة كما يدّعي ويروج له الكثير من الكتاب.

فمعاوية لم يرفع إلى الخلافة رأسًا، ولم يبايع له بها أحد من المسلمين، ولم يقاتل عليًا على أنه خليفة، بل كان سبب الخلاف بين خليفة المسلمين عليّ بن أبى طالب -رضي اللَّه عنه-، وأمير الشام معاوية -رضي اللَّه عنه- أنه لم يمتثل بما أمره به خليفة المسلمين من عزله من ولاية الشام والإقرار له بالخلافة.

كان معاوية يريد إنفاذ القصاص في قتلة خليفة المسلمين المغدور به عثمان، وقد أشيع عند أهل الشام أن الخليفة عليًا -رضي اللَّه عنه- امتنع عن معاقبة وملاحقة قتلة عثمان -رضي اللَّه عنه- عند توليه خلافة المسلمين، وبدلًا من ذلك قاتل أهل الجمل، وترك أيضًا المدينة وسكن الكوفة وهي معقل قاتلي عثمان، وأن في جيشه من هو متهم في قتل خليفة المسلمين السابق. (١)

ويذكر ابن العربي تباين وجهة النظر، واختلاف الاجتهاد الذي أدى إلى الحرب فيقول: ودارت الحرب بين أهل الشام وأهل العراق هؤلاء يدعون إلى عليّ بالبيعة وتأليف الكلمة على الإمام، وهؤلاء يدعون إلى التمكين من قتلة عثمان ويقولون لا نبايع من يؤوي القتلة، وعليّ يقول: لا أمكن طالبًا من مطلوب ينفذ فيه مراده بغير حكم ولا حاكم، ومعاوية يقول: لا نبايع متهمًا بقتله أو قاتلًا له هو أحدُ من نطلب فكيف نحكمه أو نبايعه وهو خليفة عداء وتسور؟ . (٢)

ويرد ما خالف هذا الأصل بقوله: وذكروا في تفاصيل ذلك كلمات آلت إلى استفعال


(١) نهج البلاغة: (٣٦٦)، وبحار الأنوار: (٣٣/ ٧٦). نقلًا عن كتاب ما قاله الثقلان في أولياء الرحمن.
(٢) العواصم من القواصم (١٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>