أولًا: هذا من أمها ليس اتهامها لضرائر عائشة بهذا الإفك. وإنما هو بمثابة ضرب مثل من أمها تعزيها به في مثل هذا الموقف، وغرضها أن تقول لها: لست وحدك المصابة فهاهن نساء العالمين قلما توجد فيهن امرأة مثلك لها ضرائر وزوجها يحبها مثلك إلا تكلم الضرائر فيها، فللحب والتألق ضريبة تدفع ولابد. فقولها إلا كثّرن عليها ليس بعائد علي ضرائر عائشة، وإنما هو عائد على ضرائر المرأة الوضيئة التي ضربت بها المثل. وتهوين المصيبة بذكر كثرة المصابين أمر معروف في الكتاب والسنة. وكانت أم رومان تعلمه ولذلك قدمته لابنتها في الوقت التي تحتاجه.
ومن ذلك ذكر قصص السابقين في القرآن والسنة ومنه في هذا الحديث قول عائشة: ما أري لي ولكم مثلًا إلا قول - أَبُو يُوسُفَ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}. وأما فيما يتعلق بالضرائر فلم تتكلم واحدة منهن في عائشة بسوء، حتى زينب بنت جحش قالت: أحمي سمعي وبصري ولا أعلم عليها إلا خيرًا. فينما تكلمت حمنة فقط وليس من زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هي أخت زينب. فلعل سبب كلامها فيها المحاربة لأجل أختها. أما الضرائر زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تتفوه واحدة منهن بما يسيء إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا إلي عائشة أبدًا.
فقوله: عزت أصل الكلام إلي الضرائر: سوء فهم للعبارة التي خرجت من أم رومان على سبيل التعزية بضرب المثل كما مر. (١)
رابعًا: وبعد كلامه على قوة شخصية عائشة التي فهمها من أنها لم تبال بالأمر وانتقلت إلى أبويها. قال: وربما لو كانت غير عائشة من زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - الأخريات لبلغت حد الانتحار.
وهذه النتيجة التي يتحدث عنها مبنية علي مقدمات:
الأولي: أنه سلم باتهام أم المؤمنين بهذه التهمة.
الثانية: أنها ذات شخصية قوية من دون زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الثالثة: جهله بالحالة الإيمانية عند الصحابة عمومًا، وعند أمهات المؤمنين خاصةً.