للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الأول: حفظ القرآن كثير غير هؤلاء الذين قتلوا.]

لا يسلم لهم؛ لأن نفس ما كان يحفظه الشهداء من القراء كان يحفظه كثيرٌ من الأحياء الذين لم يستشهدوا ولم يموتوا، بدليل قول عمر: وأخشى أن يموت القراء من سائر المواطن. ومعنى هذا أن القراء لم يموتوا كلهم؛ إنما المسألة مسألة خشية وخوف، ومعلوم أن أبا بكر كان من الحفاظ وكذلك عمر، وعثمان، وعلي، وزيد بن ثابت، وغيرهم، وهؤلاء عاشوا حتى جمع القرآن في الصحف، وعاش منهم من عاش حتى نسخ في المصاحف، وحينئذ فكتابة زيد ما كتبه هي كتابة لكل القرآن لم تفلت منه كلمة ولا حرف وكان القرآن كله مكتوبًا؛ حتى إن الصحابة في جمعه كانوا يستوثقون له بأن يعتمدوا على الحفظ والكتابة معًا دون الاكتفاء بأحدهما، وكانوا فيما يعتمدون عليه من الكتابة يتأكدون من أنه كتب بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويطلبون على ذلك شاهدين كما سلف إيضاحه (١).

[الوجه الثاني: ما روي من أنه لم يعلم ولم يكتب ولم يوجد مع أحد بعدهم، فكل هذا من البلاغات، والبلاغات نوع من أنواع الحديث الضعيف المنقطع فلا حجة فيه، والعبرة بالموصول الصحيح.]

عن ابن شهاب قال: "بلغنا أنه كان أنزل قرآن كثير، فقتل علماؤه يوم اليمامة، الذين كانوا قد وعوه، فلم يعلم بعدهم ولم يكتب، فلما جمع أبو بكر وعمر وعثمان القرآن ولم يوجد مع أحد بعدهم، وذلك فيما بلغنا، حملهم على أن يتبعوا القرآن فجمعوه في الصحف في خلافة أبي بكر خشية أن يقتل رجال من المسلمين في المواطن معهم كثير من القرآن، فيذهبوا بما معهم من القرآن، ولا يوجد عند أحد بعدهم، فوفق الله عثمان فنسخ تلك الصحف في المصاحف، فبعث بها إلى الأمصار، وبثها في المسلمين" (٢).

قال الثوري: وبلغنا أن ناسًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقرؤن القرآن، أصيبوا يوم


(١) مناهل العرفان في علوم القرآن ١/ ١٩٠.
(٢) المصاحف (٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>