للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا في أول الأمر، وقطعه بذلك، مع علمه بكثرة الخلق؛ دليلٌ على أنّه كان خارقًا يعجز الثقلين عن معارضته، وهذا لا يكون لغير الأنبياء.

وها هو القرآن الكريم مع طول الزمان، قد سمعه الموافق، والمخالف، والعرب، والعجم، وليس في الأمم من أظهر كتابًا يقرأه الناس، وقال إنّه مثله، وهذا يعرفه كلّ أحدٍ. (١)

[الوجه الرابع والعشرون: الإعجاز في هيمنته على الكتب السابقة وجمعه لعلومها]

قال الزركشي: ومن وجوه الإعجاز جعله آخر الكتب غنيًا عن غيره، وجعل غيره من الكتب المتقدمة قد يحتاج إلى بيان يُرجع فيه إليه، كما قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦)} [النمل: ٧٦]. (٢)

قال ابن تيمية: وَهَكَذَا الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ قَرَّرَ مَا فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ الله، وَعَنْ الْيَوْمِ الْآخِرِ، وَزَادَ ذَلِكَ بَيَانًا وَتَفْصِيلًا. وَبَيَّنَ الْأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَرَّرَ نُبُوَّةَ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ، وَرِسَالَةَ الْمُرْسَلِينَ، وَقَرَّرَ الشَّرَائِعَ الْكُلِّيَّةَ الَّتِي بُعِثَتْ بِهَا الرُّسُلُ كُلُّهُمْ. وَجَادَلَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ بِأَنْوَاعِ الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ، وَبَيَّنَ عُقُوبَاتِ الله لَهُمْ وَنَصْرَهُ لِأَهْلِ الْكُتُبِ المُتَّبِعِينَ لَهَا، وَبَيَّنَ مَا حُرِّفَ مِنْهَا وَبُدِّلَ، وَمَا فَعَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَبَيَّنَ أَيْضًا مَا كَتَمُوهُ مِمَّا أَمَرَ الله بِبَيَانِهِ. وَكُلُّ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّاتُ بِأَحْسَنِ الشَّرَائِعِ وَالْمَنَاهِجِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ فَصَارَتْ لَهُ الْهَيْمَنَةُ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ؛ فَهُوَ شَاهِدٌ بِصِدْقِهَا وَشَاهِدٌ بِكَذِبِ مَا حُرِّفَ مِنْهَا، وَهُوَ حَاكِمٌ بِإِقْرَارِ مَا أَقَرَّهُ الله، وَنَسْخِ مَا نَسَخَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ فِي الْخَبَرِيَّاتِ حَاكِمٌ فِي الْأَمْرِيَّاتِ. وَكَذَلِكَ مَعْنَى "الشَّهَادَةِ" و"الْحُكْمِ" يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ مَا أَثْبَتَهُ الله مِنْ صِدْقٍ وَمُحْكَمٍ، وَإِبْطَالِ مَا أَبْطَلَهُ مِنْ كَذِبٍ وَمَنْسُوخٍ، وَلَيْسَ الْإِنْجِيلُ مَعَ التَّوْرَاةِ وَلَا الزَّبُورِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ بَلْ هِيَ مُتَّبَعَةٌ لِشَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ إلَّا يَسِيرًا نَسَخَهُ الله بِالْإِنْجِيلِ؛ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ. (٣)


(١) المختصر القويم في دلائل نبوة الرسول الكريم ١/ ١٣٢.
(٢) البرهان في علوم القرآن ٢/ ١٠٧
(٣) مجموع الفتاوى ١٧/ ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>