قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١)} وحيث أخبر ألا يقسم، ثم أقسم في آية أخرى {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣)}، فكيف توجه هذا التناقض؟
والجواب على ذلك كما يلي من وجوه:
[الوجه الأول (إثبات قراءة)]
قرأ قنبل:(لأقسم بيوم القيامة) بغير ألف بعد اللام، وكذا روى النقاش عن أبي ربيعة عن البزي والباقون بألف ولا خلاف في الثاني. (١)
الوجه الثاني: إن كلمة (لا) في قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ} هي نافية على معناها غير أن في الكلام مجازًا تركيبا، وتقديره أن نقول:(لا) في النفي ههنا كما في قول القائل: لا تسألني عما جرى عليه أعظم من أن يشرح، فلا ينبغي أن يسأله فإن غرضه من السؤال لا يحصل ولا يكون غرضه من ذلك النهي إلا بيان عظمة الواقعة، ويصير كأنه قال: "جرى على أمر عظيم ويدل عليه أن السامع يقول له ماذا جرى عليك ولو فهم من حقيقة كلامه النهي عن السؤال لما قال ماذا جرى عليك فيصح منه أن يقول أخطأت حيث منعتك عن السؤال ثم سألتني وكيف لا وكثيرًا ما يقول ذلك القائل الذي قال لا تسألني عند سكوت صاحبه عن السؤال أو لا تسألني ولا تقول ماذا جرى عليك ولا يكون للسامع أن يقول إنك منعتني عن السؤال كل ذلك تقرر في أفهامهم أن المراد تعظيم الواقعة لا النهي.
إذا اعلم هذا فنقول في القسم مثل هذا موجود من أحد وجهين إما لكون الواقعة في غاية الظهور فيقول لا أقسم بأنه على هذا الأمر لأنه أظهر من أن يشهر، وأكثر من أن ينكر، فيقول لا أقسم ويريد به القسم ونفيه وإنما يريد الإعلام بأن الواقعة ظاهرة وإما
(١) التيسير في القراءات السبع لأبي عمرو الداني (١٧٣)، وانظر الحجة في القراءات السبع لابن خالويه (٢٣٤)، والسبعة في القرآن لابن مجاهد (٦٦١).