للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد ذلك على ما قال فزعمت أنه عصى أو كذب وأردت أن تعاقبه لأنكر العقلاء عليك ذلك، وقد قص الله عزَّ وجلَّ في القرآن كثيرًا من أقوال خلقه بغير ألفاظهم، لأن من ذلك ما يطول فيبلغ الحد المعجز، ومنه ما يكون عن لسان أعجمي، ومنه ما يأتي في مواضع بألفاظ وفي آخر بغيرها، وقد تتعدد الصور كما في قصة موسى، ويطول في موضع ويختصر في آخر، فبالنظر إلى أداء المعنى كرر النبي -صلى الله عليه وسلم- بيان شدة الكذب عليه، وبالنظر إلى أداء اللفظ اقتصر على الترغيب فقال: "نصر الله امرءًا سمع منا شيئًا، فأداه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع" جاء بهذا اللفظ، أو معناه مطولًا ومختصرًا، من حديث ابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأنس، وجبير بن مطعم، وعائشة، وسعد، وابن عمر، وأبي هريرة، وعمير بن قتادة، ومعاذ بن جبل، والنعمان بن بشير، وزيد بن خالد، وعبادة بن الصامت، منها الصحيح وغيره. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى معونتهم على الحفظ والفهم. (١)

[الوجه الحادي عشر: الأحاديث ليست كلها قولية، بل منها ما هو إخبار عن أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي كثيرة]

اعلم أن الأحاديث الصحيحة ليست كلها قولية، بل منها ما هو إخبار عن أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي كثيرة، ومنها ما أصله قولي، ولكن الصحابي لا يذكر القول بل يقول: أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بكذا، أو نهانا عن كذا، أو قضى بكذا، أو أذن في كذا .. وأشباه هذا، وهذا كثير أيضًا، وهذان الضربان ليسا محل نزاع، والكلام في ما يقول الصحابي فيه: قال رسول الله كيت وكيت، أو نحو ذلك. (٢)

[الوجه الثاني عشر: التابعون كانوا يحفظون الحديث كما يحفظون القرآن.]

وأما التابعون فقد يتحفظون الحديث كما يحفظون القرآن، كما جاء عن قتادة أنه كان إذا سمع الحديث أخذه العويل والزويل، حتى يحفظه -هذا مع قوة حفظه-.


(١) الأنوار الكاشفة (١/ ٨٢).
(٢) الأنوار الكاشفة (١/ ٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>