للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[البقرة: ١٧٩]. ففيها يقول الرازي - رحمه الله -: ليس المراد من هذه الآية أن نفس القصاص حياة؛ لأن القصاص إزالة للحياة، وإزالة الشيء يمتنع أن تكون نفس ذلك الشيء، بل المراد أن شرع القصاص يفضي إلى الحياة في حق من يريد أن يكون قاتلًا، وفي حق من يراد جعله مقتولًا، وفي حق غيرهما أيضًا.

أما في حق من يريد أن يكون قاتلًا: فلأنه إذا علم أنه لو قتل قُتل؛ ترك القتل، فلا يقتل فيبقى حيًا. وأما في حق من يراد جعله مقتولًا: فلأن من أراد قتله إذا خاف من القصاص ترك قتله فيبقى غير مقتول. وأما في حق غيرهما: فلأن في شرع القصاص بقاء في من همَّ بالقتل أو من يهم به، وفي بقائهما بقاء من يتعصب لهما؛ لأن الفتنة تعظم بسبب القتل؛ فتؤدي إلى المحاربة التي تنتهي إلى قتل عالم من الناس. (١)

وبهذا يتبين أن الإيجاز قد يصاحبه غموض، مما يؤدي إلى استشكال الآية لدى البعض.

[العاشر: احتمال الإحكام أو النسخ للآية]

وذلك أن المفسر قد تشكل عليه الآية لاختلافها مع آية أخرى، فيبحث عن وجه الجمع، فإن لم يجده يلجأ إلى القول بالنسخ، بينما يكون غيره من المفسرين يعرف وجه الجمع فيذكره ويورده، ويبين أنه لا نسخ في الآية. (٢)

ومن الأمثلة على هذا، قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠)} [البقرة: ٢٤٠].

قال الأكثرون: هذه الآية منسوخة بالتي قبلها، وهي قوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤]، ففي هذه الآية أمر من الله للنساء اللاتي يتوفى عنهن أزواجهن أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليالي. كما أن قوله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي


(١) التفسير الكبير للرازي (٥/ ٥٦)، وانظر أيضًا: الإتقان للسيوطي (٣/ ١٦٦ - ١٦٧).
(٢) مشكل القرآن الكريم (٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>