وأما الاستدلال بالآيات الدالة على أن الله سبحانه وضع حركات هذه الأجرام على وجه ينتفع بها في مصالح هذا العالم فمن أطرف الاستدلال فأين في هذه الآيات ما يدل على ما يدعيه المنجمون من كذبهم وبهتانهم وافترائهم ولو كان الأمر كما يدعيه هؤلاء الكذابون لكانت الدلالة والعبرة فيه أعظم من مجرد الضياء والنور والحساب ولكان الأليق ذكر ما تقتضيه من السعد والنحس وتعطيه من السعادة والشقاوة وتهبه من الأعمار والأرزاق والآجال والصنائع والعلوم والمعارف والصور الحيوانية والنباتية والمعدنية وسائر ما في هذا العالم من الخير والشر.
الشبهة الرابعة: قالوا أنه تعالى حكى عن إبراهيم -عليه السلام- أنه تمسَّك بعلوم النجوم فقال: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)} [الصافات: ٨٨ - ٨٩].
والجواب عليه:
فإنه ليس في الآية أكثر من أنه نظر نظرة في النجوم ثم قال لهم إني سقيم فمن ظن من هذا أن كلم أحكام النجوم من علم الأنبياء وأنهم كانوا يراعونه ويعانونه فقد كذب على الأنبياء ونسبهم إلى ما لا يليق وهو من جنس من نسبهم إلى الكهانة والسحر وزعم أن تلقيهم الغيب من جنس تلقى غيرهم وإن كانوا فوقهم في ذلك لكمال نفوسهم وقوة استعدادها وقبولها لفيض العلويات عليها وهؤلاء لم يعرفوا الأنبياء ولا آمنوا بهم وإنما هم عندهم بمنزلة أصحاب الرياضات الذين خصوا بقوة الإدراك وزكاة النفوس وزكاة الأخلاق ونصبوا أنفسهم لإصلاح الناس وضبط أمورهم ولا ريب أن هؤلاء أبعد الخلق عن الأنبياء واتباعهم ومعرفتهم ومعرفة مرسلهم وما أرسلهم به، فهؤلاء في شأن والرسل