للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا ذَلِكَ (١).

أولًا: قوله {فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ} أَيْ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ. قَالَ الْقَاضِي اِبْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ: مَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ. أَيْ: مُعْظَمُهُ، وَأَنَّهُ لَمْ تَقُمْ دَلَالَةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} أَنَّهُ نَزَلَ بِجَمِيعِ أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَرَادَ مُضَرَ دُونَ رَبِيعَةَ، أَوْ هُمَا دُونَ الْيَمَنِ، أَوْ قُرَيْشًا دُونَ غَيْرِهِمْ، فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ؛ لِأَنَّ اِسْمَ الْعَرَبِ يَتَنَاوَلُ الجمِيعَ تَنَاوُلًا وَاحِدًا، وَلَوْ سَاغَتْ هَذِهِ الدَّعْوَى لَسَاغَ لَلْآخَرَانِ. وَيَقُولُ: نَزَلَ بِلِسَانِ بَنِي هَاشِمٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - نَسَبًا مِنْ سَائِرِ قُرَيْشٍ (٢).

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَوْلُهُ: "سَبْعَةُ أَحْرُفٍ": يَعْنِى سَبْعَ لُغَاتٍ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ في الْحَرْفِ الْوَاحِدِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ، هَذَا مَا لَمْ يُسْمَعْ بِهِ قَطُّ، وَلَكِنْ يَقُولُ هَذِهِ اللُّغَاتُ السَّبْعُ مُتَفَرِّقَةٌ في الْقُرْآنِ، فَبَعْضُهُ نَزَلَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ هَوَازِنَ، وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ هُذَيْلٍ، وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ اللُّغَاتِ وَمَعَانِيهَا في هَذَا كُلِّهِ وَاحِدٌ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرَهُ. قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِكَ: هَلُمَّ وَتَعَالَ وَأَقْبِلْ. ثُمَّ فَسَّرَهُ ابْنُ سِيرِينَ فَقَالَ: في قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِنْ كَانَتْ إِلَّا زَقْيَةً وَاحِدَةً، وَفِي قِرَاءَتِنَا (صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ) وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَعَلَى هَذَا سَائِرُ اللُّغَاتِ. (٣)

[عناية المسلمين بتوجيه القراءات في ضوء العربية خدمة للقرآن]

ثمة ارتباط وثيق بين القراءات القرآنية ولهجات القبائل العربية، وقد كان مِنْ حكمة نزول هذه القراءات أن يَسَّرَتْ تلاوة الوحي الكريم والتعامل معه، على الرغم من أن اللسان العربي تتعدَّد لهجاته على نحوٍ واسمع. وفي الفترة التي سبقت نزول القرآن كان للهجة قريش السيادة على اللهجات العربية الأخرى في شبه الجزيرة العربية. وقد بلغَتْ قريش هذه المنزلة بعد


(١) البخاري (٣٢٤٤).
(٢) تحفة الأحوذي ٧/ ٤٢٧.
(٣) السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي ٢/ ٣٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>