للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونضرب مثالين لهذا السبب: الأول: قوله تعالى في خلق آدم أنه: {مِنْ تُرَابٍ} [آل عمران: ٥٩]، ومرة: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: ٢٨]، ومرة: {مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} [الصافات: ١١]، ومرة: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: ١٤]، وهذه الألفاظ مختلفة، ومعانيها في أحوال مختلفة؛ لأن الصلصال غير الحمأ، والحمأ غير التراب، إلا أن مرجعها كلها إلى جوهرٍ وهو التراب، ومن التراب تدرجت هذه الأحوال.

والثاني: قوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} [الأعراف: ١٠٧]، وفي موضع {تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ}، والجانُّ: الصغير من الحيات، والثعبان الكبير منها، وذلك لأن خلقها خلقُ الثعبان العظيم، واهتزازها وحركتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته. (١)

[الثاني: لاختلاف الموضع والمكان والآيات]

ويُقصدُ بهذا السبب أن قارئ القرآن الكريم قد يرسخ إليه أحد الأحكام، أو المعاني عند قراءته لبعض الآيات، ثم يقرأ آيات أخرى، فيظهر له حكم أو معنى يتوهم تعارضه مع ما سبق أن ترسخ إليه فيستشكل الآية، بينما الحق أن الآية أو الآيات الأولى تتحدث عن الموضوع ذاته، ولكن موضعها ومكانها يختلف عن موضع ومكان الآية أو الآيات الأخرى.

ومنه قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: ٢٤]، وقوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: ٦] مع قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: ٣٩].

قال الحليمي: فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل، والثانية على ما يستلزم الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه. وحمله غيره على اختلاف الأماكن؛ لأن في القيامة مواقف كثيرة، فموضع يسأل ويناقش، وموضع آخر يرحم ويلطف به، وموضع آخر يعنف ويوبخ - وهم الكفار - وموضع آخر لا يعنف - وهم المؤمنون -. (٢)


(١) البرهان في علوم القرآن للزركشي (٢/ ٥٤ - ٥٥).
(٢) البرهان في علوم القرآن للزركشي (٢/ ٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>