للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه في خلقها وتكوينها وبديع صنعه فيها، وهذا ما يعلل سر ذلك الحشد الهائل من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الأنعام؛ فلا تكاد تجد سورة من القرآن إلا وفيها حديث أو إشارة إلى آيات اللَّه وبديع صنعه في الأنعام؛ بل لقد سميت بعض سور القرآن بأسماء بعض الأنعام نحو: النمل، والنحل، والفيل، والعنكبوت، والبقرة، والأنعام، والعاديات أي: الخيل، وهكذا. وفي هذا استنهاض للعقول والأفئدة للتفكر في بديع صنع اللَّه فيها، وقدرته تعالى كما قال عز وجل: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨)} (النحل: ٨).

ومن ضمن الآيات القرآنية التي تحمل الإعجاز والتحدي للبشرية آية من كلام اللَّه تعالى مهما كتب فيها الكاتبون وصنف فيها المصنفون فلن يحصوا ما فيها من علم إلهي إذ تعجز الأقلام عن الخوض في لججها المتلاطمة؛ إنها قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨)}.

ومن أجل أن تتضح الآية لا بُد من أن نُعرَّج على أقوال علماء اللغة وأئمة التفسير حول الآية، لقد لفت القرآن العظيم الأنظار والعقول من أول يوم للرسالة إلى التأمل والتفكر في شأن المخلوقات؛ لا سيما في الأنعام والحيوانات كونها ألصق بالعرب وبحياتهم، ولا يعرفون إلا هي كما قال تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧). . .}، وإحياءُ المنهج التفكرُ في المخلوقات الذي دعانا إليه الإسلام (١).

الوجه الخامس عشر: الآية تشير إلى عبودية الكائنات للَّه سبحانه وتعالى.

١ - قال ابن عباس: {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} يريد: يعرفونني، ويوحدونني، ويسبحونني، ويحمدونني مثل قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (٢).


(١) في مقال: (أممية الحيوانات)؛ موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة (www.٥٥ a.net).
(٢) شفاء العليل لابن القيم (ص ٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>