التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: ٤٤]، هو الذي جاء فيه أيضًا عن اليهود {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[البقرة: ٧٥]. وهو الذي جاء فيه أيضًا {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} , وكذا {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}.
فلماذا يحتج المعترض بآية من القرآن ويعرض عن الباقي؟ هذا سبيل من وقع الزيغ في قلبه ولم يرد إلى الهدى سبيلًا.
إذن فالثناء على التوراة لا يقتضي الثناء على اليهود إلا إذا امتثلوا، وكذلك يقال في النصارى. ولا يقتضي أيضًا أن ما في أيدي اليهود والنصارى من التوراة والإنجيل هي التي وصفت بأن فيها هدى ونور؛ لأن هذه المعاصرة قد ثبت تحريفها ومخالفتها للأصل الذي أنزل.
[الوجه الثالث: معنى المغضوب عليهم والضالين.]
إن وصف اليهود بأنهم مغضوب عليهم، والنصارى بأنهم هم الضالون لا يفهم جيدًا إلا إذا فهم معنى هذين الوصفين في لغة العرب، وبالتالي سيفهمون أن معناهما يدل على اليهود والنصارى دلالة مطابقة:
١ - فالمغضوب عليهم هم المائلون عن كل خلق واعتقاد إلى طرف التفريط، ومنهم اليهود، والمفرط في الشيء هو المعرض عنه. ويقال أيضًا: هم الذين عرفوا الحق وتركوه، فاليهود فرطوا في شأن نبي الله ولم يطيعوه، وآذوه حتى قالوا بعد أن نجاهم الله من عدوّهم وعرفوا أنه إله واحد {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}[الأعراف: ١٣٨].
وقالوا {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}[البقرة: ٥٥]، يعلمون أن موسى رسول الله حقًّا ومع ذلك يؤذونه فيقولون له {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} يرزقهم الله المن والسلوى فيقولون {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ}، يريهم الله الآيات العظام ويحيي لهم الموتى، ثم تكون النتيجة