يقرر الفقهاء المسلمون أن الأجنبي (غير المسلم) إذا دخل إقليم الدولة الإسلامية بأمان ولمدّة معينة لا يجوز تسليمه إلى دولته إذا طلبته خلال هذه المدة ولو على سبيل المفاداة بأسير مسلم عندها، ويبقى المنع من تسليمه قائمًا حتى لو هددت دولته الدولة الإسلامية بإعلان الحرب عليها إذا لم تسلمها إياه.
ويعلل الفقهاء هذا الحكم بأن الأجنبي دخل إقليم الدولة الإسلامية بأمان منها، فعلى الدولة الإسلامية أن تفي بعهدها له فيبقى آمنًا لا يمسه سوء، وتسليمه بدون رضاه غدرٌ منها بعهدها له لا رخصة فيه فلا يجوز في شرع الإسلام. ويبقى المنع من تسليمه وعدم إلحاق أي ضرر به حتى لو قتلت دولته جميع رعايا الدولة الإسلامية المقيمين في أرضها؛ لأن فعلها ظلم ولا مقابلة بالظلم، هكذا يقول الفقهاء. فأي مستوى رفيع بلغه التشريع الإسلامي في التزامه بالمعاني الأخلاقية في أدق الظروف وأحرج الأوقات! مما لا نجد له نظيرًا أبدًا في أي تشريع وضعي آخر لا في القديم ولا في الجديد، ولا عجب من ذلك فالشريعة الإسلامية من عند الله، وما يأتي من الله هو الحق الخالص والعدل الخالص. (١)
[الثمرة الخامسة: المساواة بين البشر.]
لقد أعلن محمدٌّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحقق عمليًّا إنسانية الإنسان، ووحدة الإنسانية، وكرامة الإنسان. . .، والناس كلهم سواء في هذه الإنسانية، فلا شعب أعلى من شعب، ولا جنس أعظم من جنس.
إن هناك إنسانية واحدة، ترجع إلى أصل واحد، وتتجه إلى إله واحد، والهدف من اختلاف الأجناس والألوان، واختلاف الرقعة والمكان، واختلاف العشائر والآباء. . كل أولئك لم يكن ليتفرّق الناس ويختصموا، ويتحوصلوا وينعزلوا، ولكن ليتعارفوا ويتآلفوا، وتتوزع بينهم وظائف الخلافة في الأرض، ويرجعوا بعد ذلك إلى الله الذي ذرأهم في الأرض واستخلفهم فيها.