لقد انساح الإسلام في رقعة من الأرض فسيحة، تكاد تضمُّ جميع الأجناس وجميع الألوان. . وذابت كلها في النظام الإسلامي، ولم تقف وراثة لون، ولا وراثة جنس، ولا وراثة طبقة، ولا وراثة بيت، دون أن يعيش الجميع إخوانًا، ودون أن يبلغ كل فرد منهم ما تؤهله له استعداداته الشخصية، وما تكفله له صفة الإنسان.
وقال الإسلام كلمته المدوية: إن كرامة الإنسان مستمدة من إنسانيته ذاتها، لا من أي عرض آخر كالجنس، أو اللون، أو الطبقة أو الثروة أو المنصب إلى آخر هذه الأعراض العارضة الزائلة. . والحقوق الأصيلة للإنسان مستمدةٌ إذن من تلك الإنسانية التي ترجع إلى أصل واحد.
قال الله - عز وجل -: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء: ٧٠]، وقال الله - عز وجل -: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة: ٣٠]، وقال الله - عز وجل -: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[البقرة: ٣٤]، وقال الله - عز وجل -: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الجاثية: ١٣].
وعلم الناس منذُئذٍ: أن الإنسان - بنوعه - كريم على الله. وأن كرامته ذاتية أصيلة، لا تتبع جنسه، ولا لونه، ولا بلده، ولا قومه ولا عشيرته، ولا بيته، ولا عرضًا من هذه الأعراض الزائلة الرخيصة.