رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مما أفاء اللَّه عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال:"لا نورث، ما تركنا صدقة"، إنما يأكل آل محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا المال، وإني واللَّه لا أغير شيئًا من صدقة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولأعملن فيها بما عمل به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأبى أبو بكر أن يدفع لفاطمة منها شيئًا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت).
فقد كانت فاطمة -رضي اللَّه عنها- مجتهدة في ذلك، اعتقدت أن الحق معها، ثم لما رأت من عزم الخليفة على رأيه أمسكت عن الكلام في المسألة، وما كان يسعها غير ذلك.
قال ابن حجر في توجيه اجتهادها: وأما سبب غضبها -أي فاطمة- مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله:"لا نورث"، ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع أن تورث عنه، وتمسك أبو بكر بالعموم، واختلفا في أمر محتمل للتأويل، فلما صمم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك. (١)
الوجه الثالث: أن السنة والإجماع قد دلا على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يورث، فيكون الحق في هذه المسألة مع أبي بكر -رضي اللَّه عنه-.
قال ابن تيمية: كون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يورث ثبت بالسنة المقطوع بها، وبإجماع الصحابة، وكل منهما دليل قطعي، فلا يعارض ذلك بما يظن أنه عموم، وإن كان عمومًا فهو مخصوص، لأن ذلك لو كان دليلًا لما كان إلا ظنيًا فلا يعارض القطعي، إذ الظني لا يعارض القطعي، وذلك أن هذا الخبر رواه غير واحد من الصحابة في أوقات ومجالس، وليس فيهم من ينكره، بل كلهم تلقاه بالقبول والتصديق، ولهذا لم يصرّ أحد من أزواجه على طلب الميراث ولا أصرّ العم على طلب الميراث، بل من طلب من ذلك شيئًا فأخبر