للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنه إنما يحسن سؤال الحكمة عن التكرار إذا خرج عن الأصل. أما إذا وافق الأصل فلا، ولهذا لا يتجه سؤالهم لمَ كرر إياك في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} [الفاتحة: ٥] فقيل: إنما كررت للتأكيد.

[فوائد التكرار بوجه عام]

أحدها: التأكيد. واعلم أن التكرير أبلغ من التأكيد؛ لأنه وقع في تكرار التأسيس وهو أبلغ من التأكيد؛ فإن التأكيد يقرر إرادة معنى الأول وعدم التجوز؛ فإن الثانية تأسيس لا تأكيد؛ لأنه جعل الثانية أبلغ في الإنشاء.

الثاني: زيادة التنبيه على ما ينفى التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول.

الثالث: إذا طال الكلام وخشي تناسى الأول أعيد ثانيًا تطرية له وتجديدًا لعهده، كقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} [النحل: ١١٠] ثم أعاد فقال: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩)} [النحل: ١١٩]، {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. . .} ثم قال: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: ٨٩]، فهذا تكرار للأول.

الرابع: في مقام التعظيم والتهويل كقوله تعالى: {الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة: ١، ٢]، وقال: {الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة: ١، ٢]، وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر: ١، ٢]، وقوله: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} [الواقعة: ٨، ٩]، وقوله: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة: ٢٧]، وقوله: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المدثر: ٣١].

الخامس: في مقام الوعيد والتهديد كقوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: ٣, ٤]، وذكر {ثُمَّ} في المكرر دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ

<<  <  ج: ص:  >  >>