للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكرار المواعظ والوعد والوعيد؛ لأن الإنسان مجبول من الطبائع المختلفة وكلها داعية إلى الشهوات، ولا يقمع ذلك إلا تكرار المواعظ والقوارع، قال تعالى:

{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)} [القمر: ١٧].

قال الزمخشري: قوله {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)} أي: سهلناه للادكار والاتعاظ؛ بأن شحناه بالمواعظ الشافية، وصرّفنا فيه من الوعد والوعيد {فَهَلْ مِنْ} متعظ، وقيل: ولقد سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه، فهل من طالب لحفظه ليعان عليه. (١)

ثم تارة يكون التكرار مرتين كقوله تعالى: {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} [المدثر: ١٩, ٢٠]، وقوله: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (٣٤) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: ٣٤, ٣٥]، وقوله: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: ٣, ٤] وقوله: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر: ٦, ٧]، وقد أخبر الله سبحانه بالسبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والأخبار في القرآن: فقال: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: ٥١]، وقوله: {وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: ١١٣].

وحقيقة التكرار: إعادة اللفظ أو مرادفه لتقرير معنى خشية تناسي الأول لطول العهد به، فإن أعيد لا لتقرير المعنى السابق لم يكن منه كقوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: ١١ - ١٥] فأعاد قوله: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤)} بعد: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (١١)}؛ لأنه لم يأتِ لتقرير الأول، بل لغرض آخر؛ لأن معنى الأول الأمر بالإخبار أنه مأمور بالعبادة لله والإخلاص له فيها. ومعنى الثاني أنه يخص الله وحده دون غيره بالعبادة والإخلاص، ولذلك قدم المفعول على فعل العبادة في الثاني.


(١) الكشاف للزمخشري (٦/ ٤٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>