للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإخلاص له لم يكن شيء قط عنده أحلى من ذلك ولا أطيب ولا ألذ ولا أقنع، فإذا ذاق طعم الإخلاص وقوى في قلبه انقهر له هواه بلا علاج، فالله يصرف عن عبده ما يسوءه من الميل إلى المحرمات بإخلاصه لله، قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، والقلب خلق يحب الحق ويريده ويطلبه، فلما عرضت له إرادة الشر طلب دفع ذلك فإنه يفسد القلب كما يفسد الزرع بما ينبت فيه من الدغل (١).

[المؤمن يحب الله لذاته]

فطريق أهل العلم والإيمان الذين عقلوا عن الله أمره ودينه وعرفوا مراده بما أمرهم ونهاهم عنه، وهي أن نفس معرفة الله ومحبته وطاعته والتقرب إليه وابتغاء الوسيلة إليه أمر مقصود لذاته، وأن الله سبحانه يستحقه لذاته، وهو سبحانه الحبوب لذاته الذي لا تصلح العبادة والمحبة والذل والخضوع والتأله إلا له فهو يستحق ذلك؛ لأنه أهل أن يعبد ولو لم يخلق جنة ولا نارًا ولو لم يضع ثوابًا ولا عقابًا، وهو غاية سعادة النفس وكمالها والنفس إذا فقدت ذلك كانت بمنزلة الجسد الذي فقد روحه وحياته (٢).

فالله -عَزَّ وَجَلَّ- فطر عباده على الحنيفة المتضمنة لكمال حبه والخضوع له والذل له وكمال طاعته وحده دون غيره وهذا من الحق الذي خلقت له، وبه قامت السموات والأرض وما بينهما، وعليه قام العالم، ولأجله خلقت الجَنَّة والنار، ولأجله أرسل رسله وأنزل كتبه، ولأجله أهلك القرون التي خرجت عنه وآثرت غيره، فكونه سبحانه أهلًا أن يُعبد ويُحب ويُحمد وُيثنى عليه أمر ثابت له لذاته، فلا يكون إلا كذلك، فهو سبحانه الإله الحق المبين والإله هو الذي يستحق أن يوله محبةً وتعظيمًا، فهو الإله الحق، ولو لم يخلق خلقه وهو الإله الحق، ولو لم يعبدوه فهو المعبود حقًّا إلا له حقًّا المحمود حقًّا، ولو قدر أن خلقه لم يعبدوه ولم يحمدوه ولم يألهوه، فهو الله الذي لا إله إلا هو قبل أن يخلقهم وبعد أن خلقهم وبعد أن يغنيهم.


(١) مجموعة التوحيد لابن تيمية (٤٢٤: ٤٢٠).
(٢) مفتاح دار السعادة لابن القيم ٢/ ٤١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>