للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففيه حث للصحابة على حفظ الحديث بالكتاب، وبث ذلك في الناس، وذلك في كل الأحوال، حال الرضا وحال الغضب، وفي ذلك أيضا دلالة على أن حال النبي - صلى الله عليه وسلم - كله مدون معروف، بل إن الله تعالى حث أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - على بث سنته الخاصة في تعامله في بيوته - صلى الله عليه وسلم -، فهذه لا يطلع عليها إلا زوجاته، فقال عز وجل: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (الأحزاب: ٣٤).

أقول: وكلا الأمرين كان معروفًا في صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "ليس أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر حديثًا مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب". (١)

[الوجه الثالث: حفظ السنة عند الصحابة]

من مظاهر حفظ السنة عند الصحابة - رضي الله عنهم -: الحرص على سماعها، وروايتها، وكتابتها، وذلك يتجلى في أمور منها:

١ - حث النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه على سماع الحديث، وحفظه وتأديته كما سمعوه، فمن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "نَضَّرَ الله امْرءًا سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا، فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ؛ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ". (٢)

٢ - أمره بتبليغ العلم لمن لم يحضر مجلس السماع، ومن ذلك قوله: "ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب؛ فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه". (٣)

وقوله لوفد عبد قيس حين علمهم العلم "احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم" (٤).

٣ - إعادته للحديث ثلاثًا؛ حتى يحفظ عنه ويفهم، فمن ذلك قول أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا؛ حتى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم


(١) رواه البخاري (١١٣).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) رواه البخاري (٦٧، ١٠٥)، ورواه مسلم (١٦٧٩).
(٤) رواه البخاري (٦١٧٦، ٧٢٦٦، ٧٥٥٦) ومسلم (١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>