للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدلنا على أن الإنسان في نشأته الأولى كان في منتهى السذاجة، وأنه لاستعداده الذي يفضل به سائر أنواع الحيوان كان يستفيد من كل شيء علمًا واختبارًا ويرتقي بالتدرج.

ذلك أن الله تعالى بعث غرابًا إلى المكان الذي هو فيه فبحث في الأرض أي حفر برجليه فيها يفتش عن شيء، والمعهود أن الطير تفعل ذلك لطلب الطعام، والمتبادر من العبارة أن الغراب أطال البحث في الأرض؛ لأنه قال {يَبْحَثُ} ولم يقل بحث؛ لأن المضارع يفيد الاستمرار، فلما أطال البحث أحدث حفرة في الأرض فلما رأى القاتل الحفرة - وهو متحير في أمر مواراة سوءة أخيه - زالت الحيرة واهتدى إلى ما يطلب؛ وهو دفن أخيه في حفرة من الأرض، هذا هو المتبادر من الآية.

وقال أبو مسلم: إن من عادة الغراب دفن الأشياء، فجاء غراب فدفن شيئًا فتعلم من ذلك وهذا قريب أيضًا، ولكن جمهور المفسرين قالوا: إن الله بعث غرابين لا واحدًا، وأنهما اقتتلا فقتل أحدهما الآخر، فحفر بمنقاره ورجليه حفرة ألقاه فيها. (١)

[الوجه الخامس: الحكمة من بعث الله الغراب واختصاصه عن الطير.]

قال أبو الهيثم: يقال: إن الغراب يبصر من تحت الأرض بقدر منقاره. والحكمة في أن الله - عز وجل - بعث إلى قابيل لما قتل أخاه هابيل غرابًا ولم يبعث له غيره من الطير، ولا من الوحش أن القتل كان مستغربًا جدًّا، إذ لم يكن معهودًا قبل ذلك فناسب بعث الغراب. (٢)

وأخيرًا: أما عن زعمهم أن القصة مقتبسة من التوراة فيجاب عليها بهذه المقارنة بين نص القرآن ونص التوراة في قصة ابني؛ آدم لتجد الفارق بينهما، وأن القرآن له صياغته الإعجازية: (٣)

أولًا: نص القرآن: قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ


(١) تفسير المنار (٦/ ٣٤٦).
(٢) نقلًا من حياة الحيوان الكبرى للدميري (٢/ ٣٤).
(٣) راجع شبهة القرآن مقتبس من التوراة.

<<  <  ج: ص:  >  >>