يعجزه شيء، بل يقول للشيء كن فيكون، فكيف يُصْرَفون عن هذه الدلائل الواضحات والآيات البينات! وهل بعد الحق إلا الضلال؟
ومنها عدم علم المسيح -عليه السلام- بأشياء كثيرة، أهمها جهله بيوم القيامة، فقد قال:"أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن، إلا الآب"(مرقس ١٣/ ٣٢)، فكيف تدعي النصارى بعد ذلك ألوهيته، فالجهل بالغيب مبطل لها. وليس ما يجهله المسيح هو موعد القيامة فحسب، بل كل ما غاب عنه فهو غيب يجهله إلا ما أطلعه الله عليه، ولذلك نجده عندما أراد إحياء لعازر يسأله" فانزعج بالروح واضطرب وقال: أين وضعتموه؟ "(يوحنا ١١/ ٣٣ - ٣٤). ولما جاءه رجل يريد منه شفاء ابنه من الجنون" فسأل أباه: كم من الزمان منذ أصابه هذا؟ فقال: منذ صباه"(مرقس ٩/ ١١).
[القسم السادس: نصوص تفيد ابتداء بعثة المسيح بنزول الملائكة وروح القدس عليه عند اعتماده عن يد النبي يحيى (يوحنا) المعمدان -عليه السلام-]
(١) جاء في إنجيل متى (٣/ ١٣ - ١٧): "حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الجلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ. وَلكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ قَائِلًا: "أَنا مُحتاج أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ! " فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَال لَهُ: "اسْمَحِ الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نكمِّلَ كُلَّ بِرّ". حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ. فَلَمّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ المُاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ الله نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ، وَصَوْت مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلًا: "هذَا هُوَ ابْني الحبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ". وأقول: من البديهي أنه لو كان المسيح -عليه السلام- هو الله تعالى نفسه الذي تجسد ونزل لعالم الدنيا -كما يدعون- لكانت رسالته مبتدئة منذ ولادته، ولكان روح القدس ملازمًا له باعتباره جزء اللاهوت الذي لا يتجزأ -كما يدعون-، ولما احتاج إلى من ينزل عليه بالوحي أو الرسالة، ولما كان هناك أي معنى أصلًا لابتداء بعثته بهبوط روح القدس عليه، وابتداء هبوط الملائكة صاعدين نازلين بالوحي والرسائل عندما بلغ الثلاثين من العمر، واعتمد على يد يوحنا النبي -عليه السلام-! ، فهذا النص والنصوص التالية التي تبيّن كيفية بدء البعثة النبوية للمسيح، لأكبر وأوضح دليل -عند ذوي التجرد والإنصاف- على بشرية