للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ لَعِبَ رَجُلٌ بِصَبِيٍّ، فَضَرَبَهُ الْوَالِي ثَلَاثَمِائَةِ سَوْطٍ، فَلَمْ يُغَيِّرْ ذَلِكَ مَالِكًا حِينَ بَلَغَهُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَى زَمَانَنَا هَذَا بِهَتْكِ الْحُرُمَاتِ وَالِاسْتِهْتَارِ بِالْمَعَاصِي، وَالتَّظَاهُرِ بِالمَنَاكِرِ، وَبَيْعِ الحُدُودِ، وَاسْتِيفَاءِ الْعَبِيدِ لَهَا فِي مَنْصِبِ الْقُضَاةِ؟ ؛ لمَاتَ كَمِدًا، وَلَمْ يُجَالِسْ أَحَدًا؛ وَحَسْبُنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١).

فبيَّن لنا من هذا كله أن اللَّه عز وجل أوقف هذه العقوبات ولم يجعل لأحد فيها شيئًا حتى لا تأخذهم رأفة في ذلك، لأن هذا دين اللَّه، ففيه الرحمة والتطهير والعبرة والاتعاظ.

قال ابن تيمية: نهَى تَعَالَى عَمَّا يَأْمُرُ بِهِ الشَّيْطَانُ فِي الْعُقُوبَاتِ عُمُومًا وَفِي أَمْرِ الْفَوَاحِشِ خُصُوصًا فَإِنَّ هَذَا الْبَابَ مَبْنَاهُ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالشَّهْوَةِ وَالرَّأْفَةِ الَّتِي يُزَيِّنُهَا الشَّيْطَانُ بِانْعِطَافِ الْقُلُوبِ عَلَى أَهْلِ الْفَوَاحِشِ وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ حَتَّى يَدْخُلَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْآفَةِ فِي الدِّيَاثَةِ وَقِلَّةِ الْغَيْرَةِ إذَا رَأَى مَنْ يَهْوَى بَعْضُ المُتَّصِلِينَ بِهِ أَوْ يُعَاشِرُهُ عِشْرَةً مُنْكَرَةً أَوْ رَأَى لَهُ مَحَبَّةً أَوْ مَيْلًا وَصَبَابَةً وَعِشْقًا وَلَوْ كَانَ وَلَدُهُ رَأَفَ بِهِ وَظَنَّ أَنَّ هَذَا مِنْ رَحْمَةِ الْخَلْقِ وَلِينِ الْجَانِبِ بِهِمْ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ دِيَاثَةٌ وَمَهَانَةٌ وَعَدَمُ دِينٍ وَضَعْفُ إيمَانٍ وَإِعَانَةٌ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَتَرْكٌ لِلتَّنَاهِي عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ (٢).

الوجه الثالث: العلة من قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.

أولًا: في بيان كم هذه الطائفة التي تشهد الحد.

ولأهل العلم أقوال في معنى (الطائفة):

أحدها: رجل واحد فما فوقه، وهو قول مجاهد.

الثاني: اثنان فأكثر، وهو قول عكرمة وعطاء، وبه أخذ المالكية.

الثالث: ثلاثة فأكثر، لأنه أقل الجمع، وهو قول الزهري.

الرابع: أربعة فأكثر بعدد شهود الزنى، وهو قول ابن عباس، وبه أخذ الشافعية.


(١) تفسير القرطبي ١٢/ ١٤٣.
(٢) مجموع الفتاوى ١٥/ ٢٨٨/ ٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>