للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إقامة الحد وهذا كله من ضعف الإيمان، وكمال الإيمان أن تقوم به قوة يقيم أمر اللَّه ورحمة يرحم بها المحدود فيكون موافقًا لربه ورحمته (١).

فإن من رحمة اللَّه على عباده إقامة الحد فلا يسقط الحد لعل ذلك تطهيرًا لهم ورحمة لهم.

قال أبو بكر الجزائري: لا تشفقوا عليهما فتعطلوا حَدَّ اللَّه تعالى وتحرموهما من التطهير بهذا الحد لأن الحدود كفارة لأصحابها (٢).

وقال السعدي: ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة بهما في دين اللَّه، تمنعنا من إقامة الحد عليهم، سواء رأفة طبيعية، أو لأجل قرابة أو صداقة أو غير ذلك، وأن الإيمان موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة من إقامة أمر اللَّه، فرحمته حقيقة، بإقامة حد اللَّه عليه، فنحن وإن رحمناه لجريان القدر عليه، فلا نرحمه من هذا الجانب (٣). فالحدود مقدَّرة من عند اللَّه عز وجل.

وأورد القرطبي في معنى قريب لذلك من الحكمة والعلة من هذا الأمر فقال: نص اللَّه تعالى على عدد الجلد في الزنى والقذف، وثبت التوقيف في الخمر على ثمانين من فعل عمر في جميع الصحابة، فلا يجوز أن يتعدى الحد في ذلك كله (٤).

ثم نقل كلامًا لابن العربي في تهاون الناس والجرأة على المعاصي، فقال ابن العربي:

وَهَذَا مَا لَمْ يَتَتَابَعْ النَّاسُ فِي الشَّرِّ، وَلَا احْلَوْلَتْ لَهُمْ المُعَاصِي، حَتَّى يَتَّخِذُوهَا ضرَاوَةً (معناها: العادة) (٥)، وَيَعْطِفُ النَّاسُ عَلَيْهِمْ بِالْهَوَادَةِ، فَلَا يَتَنَاهَوْا عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ؛ فَحِينَئِذٍ تَتَعَيَّنُ الشِّدَّةُ، وَيَزِيدُ الحَدُّ، لِأَجْلِ زِيَادَةِ الذَّنْبِ.

وَقَدْ أُتِيَ عُمَرُ بِسَكْرَانٍ فِي رَمَضَانَ، فَضَرَبَهُ مِائَةً: ثَمَانِينَ حَدُّ الْخَمْرِ، وَعِشْرِينَ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ؛ فَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ تَتَرَكَّبَ الْعُقُوبَاتُ عَلَى تَغْلِيظِ الجِنَايَاتِ، وَهَتْكِ الحُرُمَاتِ.


(١) الداء والدواء (٢١٠).
(٢) أيسر التفاسير ٣/ ٤٦.
(٣) تفسير السعدي ١/ ٥٦١.
(٤) تفسير القرطبي ١٢/ ١٤٣.
(٥) لسان العرب (مادة: ضرا).

<<  <  ج: ص:  >  >>