للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَقَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأفقَ فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي؛ فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأفقَ، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأفقَ فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ، وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ ألفًا يَدْخُلُونَ الجنّةَ بِغَر حِسَاب"، فتفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ، فتذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا فِي الشًّرْكِ وَلَكِنَّا آمَنَّا بِالله وَرَسُولِهِ وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "هُمْ الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ محصنٍ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ فَقَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ (١).

[الوجه الثاني: الرد على القول المزعوم.]

فأما من قال: كيف قيل في موضع: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)} وقيل في موضع آخر: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)

والرد من وجوه:

الأول: أن الموضع الأول كان في الحديث عن السابقين، فالسابقون من أمة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة (أي أول الأمة) خير وأكثر من الذين جاءوا من بعدهم؛ لرسوخ إيمانهم، وظهور أثره في أعمالهم من العمل الصالح، والدعوة إلى الله، والصبر على الجهاد في سبيله، إلى غير ذلك من المناقب التي كانت ملكات لهم.

وأما الموضع الذي قال فيه: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)} فهذا في الكلام عن أصحاب اليمين، والكثرة فيهم ظاهرة لوفرة أصحاب اليمين في أواخرهم دون السابقين؛ فلذلك فرق بين الثلتين في السابقين، وسوى بينهما في أصحاب اليمين.

الثاني: قد وصف الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠)} والذين لهم أعلى المنازل في الجنة أنهم ثلة من الأولين أي: كثيرون؛ لأن الأولين قد عاصروا


(١) أخرجه البخاري (٥٧٥٢)، مسلم (٢٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>