للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرازى: اختيار الحسن أن المراد منه مَنْ يسأل العلم ونظيره من وجه: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢)} [عبس: ١، ٢]، وحينئذ يحصل الترتيب؛ لأنه تعالى قال له أولًا: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨)} [الضحى: ٦ - ٨]، ثم اعتبر هذا الترتيب فأوصاه برعاية حق اليتيم، ثم برعاية حق مَنْ يسأله عن العلم والهداية، ثم أوصاه بشكر نعم الله عليه (١).

وبمثل ذلك قال ابن كثير قال: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠)} أي: وكما كنت ضالًا فهداك الله، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد (٢).

وبهذا يتضح المقصود بـ {ضَالًّا} في هذه الآية الكريمة.

الوجه الرابع: في بيان معنى قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}.

الآية لها في كتب المفسرين عدة معانٍ لا تخرج جميعُها عن أن هذه الآية من نعم الله ومِنَنَهِ المتكاثرة على عبدِهِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.

١ - المعنى الأول (٣): هذه الآية كقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢] أي: أن رسول الله كان قبل البعثة غافلًا عما أوحاه الله إليه لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان فهداه الله، وجعله إمام الدين، هذا والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعلم فعلمه الله؛ قال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: ١١٣]، ومثل ذلك أيضًا قوله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ


(١) مفاتيح الغيب لفخر الدين الرازي (٣١/ ٢١٩).
(٢) تفسير ابن كثير (٤/ ٦٧٤).
(٣) انظر هذا المعنى في: زاد المسير (٧/ ٢٩٨)، تفسير القرطبي (١٦/ ٤٩)، وفتح القدير (٤/ ٧٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>