عادة وتخلق به صاحبه يكون سببًا لجلب الخير إليه، فيكون منه الخير بالذات والسبب، وقال أبو العباس القرطبي: الحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان، وهو المكلف به دون الغريزي، غير أن من كان فيه غريزة منه؛ فإنها تعينه على المكتسب، وقد ينطبع بالمكتسب حتى يصير غريزًا، قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جمع له النوعان، فكان في الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها، كان في الحياء المكتسب في الذروة العليا - صلى الله عليه وسلم -. (١)
[الوجه الخامس: ذكر بعض ما عندهم من التعري.]
هذه القصة فيها بيان ما تنسبه التوراة إلى الله من أمره لنبيه إشعياء بالتعري، ولماذا؟ لكي يري بني إسرائيل ما ينتظرهم من الهوان والذل والعري على يد ملك آشور: تَكَلَّمَ الرَّبُّ عَنْ يَدِ إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ قَائِلًا: اذْهَبْ وَحُلَّ المسْحَ عَنْ حَقْوَيْكَ وَاخْلَعْ حِذَاءَكَ عَنْ رِجْلَيْكَ. فَفَعَلَ هكَذَا وَمَشَى مُعَرًّى وَحَافِيًا. فَقَالَ الرَّبُّ: كَمَا مَشَى عَبْدِي إِشَعْيَاءُ مُعَرًّى وَحَافِيًا ثَلاثَ سِنِينٍ، آيَةً وَأُعْجُوبَةً عَلَى مِصرَ وَعَلَى كُوشَ، هكَذَا يَسُوقُ مَلِكُ أَشُّورَ سَبْيَ مِصرَ وَجَلاءَ كُوشَ، الْفِتْيَانَ وَالشُّيُوخَ، عُرَاةً وَحُفَاةً وَمَكْشُوفِي الأَسْتَاهِ خِزْيًا لمِصْرَ. (إشعياء ٢٠/ ٢ - ٤).
يقول التفسير التطبيقي تعليقًا على هذه الفقرة: كان أمر الله لإشعياء أن يتجول عاريًا لمدة ثلاث سنوات، وهو اختبار مُذِل، فقد كان الله يستخدم إشعياء لبيان ما ستختبره مصر وكوش من إذلال على يد آشور، ولكن كانت الرسالة في الواقع ليهوذا.
وهكذا فإن رؤية بني إسرائيل لنبيهم عريانًا ثلاث سنين درس كبير وعظة بالغة! أمَا من وسيلة للإيضاح أفضل من هذه الوسيلة العارية؛ فهل يعقل هذا؟ هل يأمر الرب نبيه بالتعري ثلاث سنين؟
وما جاء في إنجيل يوحنا المقدس عندهم عن الرسول بطرس: بطرس الرسول - صخرة الكنيسة - عاريًا على شاطىء البحر!