للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سرقت، أنه خبر جازم؛ لكونه أخذ مالًا من حرز في خفية، وقوله الرجل: كلا، نفي لذلك ثم أكده باليمين، وقول عيسى: آمنت بالله وكذبت عيني، أي صدقت من حلف بالله، وكذبت ما ظهر لي من كون الأخذ سرقة؛ فإنّه يحتمل أن يكون الرجل أخذ ماله فيه حق، أو ما أذن له صاحبه في أخذه أو أخذه؛ ليقلبه وينظر فيه، ولم يقصد الغصب والاستيلاء.

الثاني: ما قاله ابن القيِّم: إن الله تعالى كان في قلبه أجل من أن يحلف به أحد كاذبًا، فدار الأمر بين تهمة الحالف، وتهمة بصره؛ فرد التهمة إلى بصره، كما ظن آدم -عليه السلام- صدق إبليس لما حلف له أنه ناصح، وهذا أحسن من الأول. (١)

قال ابن كثير رحمه الله: وهذا يدلُّ على سجية طاهرة، حيث قدم حلف ذلك الرجل؛ فظن أن أحدًا لا يحلف بعظمة الله كاذبًا على ما شاهده منه عيانًا؛ فقبل عذره ورجع على نفسه فقال: آمنت بالله أي صدقتك وكذبت بصري لأجل حلفك. (٢)

الدليل الثالث: وفية لقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيسى -عليه السلام- ليلة الإسراء وذكر صفته.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري بي لقيت موسى، قال: فنعته فإذا رجل -حسبته قال- مضطرب، رجل الرأس، كأنه من رجال شنوءة، قال ولقيت عيسى - فنعته النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال- ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس -يعني الحمام- ورأيت إبراهيم، وأنا أشبه ولده به. قال وأتيت بإناءين: أحدهما لبن، والآخر فيه خمر، فقيل لي: خذ أيهما شئت؛ فأخذت اللبن فشربته، فقيل لي: هديت الفطرة، أو أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك". (٣)

وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - رأيت عيسى وموسى وإبراهيم فأمَّا عيسى، فأحمر


(١) تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد (٥٣٣) وانظر شرح مسلم للنووي (٢٣٦٨)، وفتح الباري (٦/ ٤٨٩)، وبدائع الفوائد (٣/ ٧١٨).
(٢) البداية والنهاية (٢/ ١١٦).
(٣) البخاري (٣٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>