للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربما أوهم عند بعض الناس أن الزوج ما طلقها إلا وقد رابه منها شيء، فإذا هو متعها متاعًا حسنًا تزول هذه الغضاضة ويكون هذا المتاع الحسن بمنزلة الشهادة بنزاهتها والاعتراف بأن الطلاق كان من قبله أَيْ: لعذر يختص به لا من قِبَلِهَا، أي: لا لعلة فيها لأن اللَّه تعالى أمرنا أن نحافظ على الأعراض بقدر الطاقة، فجعل هذا التمتيع كالمرهم لجرح القلب لكي يتسامع به الناس، فيقال: إن فلانًا أعطى فلانة كذا وكذا فهو لم يطلقها إلا لعذر وهو آسف عليها معترف بفضلها، لا أنه رأى عيبًا فيها، أو رابه شيء من أمرها.

ولما كان في الطلاق ظنونٌ تحوم حول المرأة أكثر ممن طلقت بعده، جعل بعض العلماء متعة المطلقة قبل الدخول واجبة على الرجل (١)، فما أكمل هذه الشريعة! وهذا الدين الذي يراعي حق الرجل؟ فيأذن له في الرجوع عما عزم عليه، أو حل ما دخل فيه من شركه، لكنها لا تنسى المرأة، فتعوضها في كل حال من الأحوال بما يناسبها.

هل يعجبك ويسرك أيها المدافع عن عقد الزواج أن يكون العقد مستمرًا بين زوجين

كل منهما له علاقة جنسية بغير زوجه، أم تذهب إلى ما تراه بعض المحاكم الأوربية من أن الطلاق لا يقع إلا بعد وقوع جريمة الزنا، فيضطرُ الزوجان إلى أحد أمرين: إما إلى أن يكذبا ويعترفا بالزنا ولم يزنيا، وإما أن تزني من أجل الحصول على الطلاق؛ فيكون طريق الخلاص في هذه المحاكم المتعصبة لما تراه هو الزنا: باللَّه ما هذا السفه والازدراء للآدمية والبشرية؟ !

إما أن يعيشا معًا وهي تزني، وإما أن تزني لكي يحصلا على الطلاق، وإما أن ينسبا الزنا من غير حدوثه لنفس الغاية، أليست الكرامة والستر في شريعة الطلاق خير من الإهانة والفضيحة في هذه التفاهات التي زعموا بها تقديس عقد الزواج؟ !

إن المرأة قد يصل بها الحال إلى طلب الطلاق، فيرفض الرجل:


(١) المنار (٢/ ٤٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>