للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي لفظ الحديث: (فيكتب من الإِنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب) تدل على التبعيض؛ لا أنه كتب وترجم وفسر كل نصوص الإنجيل.

قال زيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ: (وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ) فَكَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ الْإِنْجِيلِ مَا شَاءَ الله أَنْ يَكْتُبَ؛ هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَتِنَا، وَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِ صَحِيحِهِ: يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَحَاصِلُهُمَا أَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ مَعْرِفَةِ دَيْنِ النَّصَارَى بِحَيْثُ صَارَ يَتَصَرَّفُ فِي الْإِنْجِيلِ فَيَكْتُبُ أَيَّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ إنْ شَاءَ وَبِالْعَرَبِيَّةِ إنْ شَاءَ (١).

فإن قيل: لماذا أشاد ورقة بموسى فقال: (ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء إلى موسى)؟ فهذا دليل على أنه كان مطلعًا على التوراة.

نقول: هذا مما علمه من سماع من رهبان الشام، وليس فيه إثبات صريح على اطلاعه على التوراة، وكذلك فإن لموسى ذكر في الإنجيل.

[الرد على شبهة: اختلاف القرآن المكي والمدني لموت ورقة.]

الوجه الأول: إن هذه الدعوى مجردة من الدليل، خالية من التحديد والتعيين، ومثل هذه الدعاوى لا تُقبل ما دامت غير موافقة للتحقيق العلمي، وإلا فليخبرونا ما الذي سمعه محمد من ورقة؟ ومتى كان ذلك؟ وأين كان؟

الوجه الثاني: إن الإسلام بدأ من غار حراء حيث كان يتعبد النبي - صلى الله عليه وسلم - كل ليلةٍ معتزلًا عن الناس ومفاتنهم وشهواتهم، متفكرًا في ملكوت السموات والأرض مثل نبي الله إبراهيم - عليه السلام -، ولم يبدأ من الكنائس، ولم نسمع أن محمدًا قبل الأربعين قد اعتنق أي دين، ولم توجد لدى أحدٍ أي صحيفة مترجمة، وهناك أيضًا الكثير من الأسئلة التي تدحض افتراءات من يفتري على وحي الله لرسوله منها:


(١) طرح التثريب ٥/ ٢١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>