للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرف حالهم فحصر ذلك فيهم بحسب علمه، وليس الأمر في نفس الأمر كذلك، أو يكون السبب في خفائهم أنهم خافوا غائلة الرياء والعجب وأمن ذلك من أظهره (١).

الوجه السابع: المراد بالجمع الكتابة فلا ينفى أن يكون غيرهم جمعه حفظا عن ظهر قلب، وأما هؤلاء فجمعوه كتابة وحفظوه عن ظهر قلب. (٢)

المراد أن أحدا لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أولئك بخلاف غيرهم فلم يفصح بذلك؛ لأن أحدا منهم لم يكمله إلا عند وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نزلت آخر آية منه، فلعل هذه الآية الأخيرة وما أشبهها ما حضرها إلا أولئك الأربعة ممن جمع جميع القرآن قبلها، وإن كان قد حضرها من لم يجمع غيرها الجمع البين. (٣)

وعدم الإفصاح كان لأسباب منها ما ذُكر، ومنها ما قاله المازري حيث قال:

ويحتمل أن يراد به أنه لم يذكر أحد عن نفسه أنه أكمله في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - سوى هؤلاء الأربعة؛ لأن من أكمله سواهم كان يتوقع نزول القرآن ما دام - صلى الله عليه وسلم - حيًا فقد لا يستجيز النطق بأنه أكمله واستجازه هؤلاء، ومرادهم أنهم أكملوا الحاصل منه.

ويحتمل أيضًا أن يكون سواهم لم ينطق بإكماله خوفًا من المراءاة به، واحتياطًا على النيات كما يفعل الصالحون في كثير من العبادات، وأظهر هؤلاء الأربعة ذلك؛ لأنهم أمنوا على أنفسهم، أو لرأيٍ اقتضى ذلك عندهم (٤).

وعلى تقدير الحصر في كلام أنس - رضي الله عنه - فالجواب من هذه الوجوه التالية أيضًا.

[الوجه الثامن]

أنه ليس فيه تصريح بأن غير الأربعة لم يجمعه، فقد يكون مراده: الذين علمهم من الأنصار أربعة، وأما غيرهم من المهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم فلم ينفهم، ولو نفاهم


(١) المصدر السابق.
(٢) المصدر السابق.
(٣) المصدر السابق.
(٤) المعلم بفوائد مسلم ٢/ ٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>