للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأجل هذا قال ابن القيم: والصحيح أنها لا تجب على عاجز عنها، فإن اللَّه لا يكلف نفسًا إلا وسعها. وإنما فرضها عمر -رضي اللَّه عنه- على الفقير المعتمل لأنه يتمكن من أدائها بالكسب. وقواعد الشريعة كلها تقتضي ألا تجب على عاجز كالزكاة والدية والكفارة والخراج. {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}، ولا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة.

فإن قيل: نحن لا نكلفه بها في حال إعساره، بل تستقر دينًا في ذمته، فمتى أيسر طولب بها لما مضى كسائر الديون، قيل: هذا معقول في ديون الآدميين؛ وأما حقوق اللَّه تعالى فإنه إنما أوجبها على القادرين دون العاجزين. (١)

والكل يدل على إحسان الإسلام إليهم، ووفاء المسلمين بالعهد ولو كان القصد هو الإذلال ما سقطت عن الفقير والعاجز والمرأة فظهر المراد من أنها من المحاسن والحمد للَّه.

[الوجه الثامن: التحذير من ظلم أهل الذمة]

حيث يأمر اللَّه في كتابه والنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديثه بالإحسان لأهل الذمة، وحسن معاملتهم، وتحرم الشريعة أشد التحريم ظلمهم، والبغي عليهم، فقد حثّ القرآن على البر، والقسط بأهل الكتاب السالمين الذين لا يعتدون على المسلمين {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)} (الممتحنة: ٨). والبر أعلى أنواع المعاملة، فقد أمر اللَّه به في باب التعامل مع الوالدين، وهو الذي وضحه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث آخر بقوله: "البر حسن الخلق". (٢)

ويقول -صلى اللَّه عليه وسلم- في التحذير من ظلم أهل الذمة وانتقاص حقوقهم: "من ظلم معاهدًا، أو انتقصه حقه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة". (٣)


(١) أحكام أهل الذمة (٤٧).
(٢) أخرجه مسلم (٢٥٥٣).
(٣) أخرجه أبو داود (٣٠٥٢) البيهقي في الكبرى (٩/ ٢٠٥). وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (٢٧٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>