للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن يخبر بالنسبة؛ فإن قبلت منه وإلا سكت.

ثامنها: السؤال عن المتشابهات وعلى ذلك يدل قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ} الآية، وعن عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه عرضًا للخصومات؛ أسرع التنقل، ومن ذلك سؤال من سأل مالكًا عن الاستواء، فقال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عنه بدعة.

تاسعها: السؤال عما شجر بين السلف الصالح. وقد سُئل عمر بن عبد العزيز عن قتال أهل صفين، فقال: تلك دماء كف الله عنها يديَّ، فلا أُحِبُّ أن يلطخ بها لساني.

عاشرها: سؤال التعنت والإفحام، وطلب الغلبة في الخصام. وفى القرآن في ذم نحو هذا قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (٢٠٤)} [البقرة: ٢٠٤]، الحديث: "أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم" (١).

[الوجه الثالث: الأمر بالسؤال فيما يتعبد به وتقرر وثبت وجوبه مما يجب عليهم العمل به، والنهي فيما لم يتعبد الله عباده به، ولم يذكره في كتابه.]

قال القرطبي: إن قال قائل: ما ذكرتم من كراهية السؤال والنهي عنه، يعارضه قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣] فالجواب: أن هذا الذي أمر الله به عباده هوما تقرر وثبت وجوبه مما يجب عليهم العمل به، والذي جاء فيه النهي هو ما لم يتعبد الله عباده به، ولم يذكره في كتابه. والله أعلم. (٢)

قال ابن عبد البر: السؤال اليوم لا يخاف منه أن ينزل تحريم ولا تحليل من أجله، فمن سأل مستفهما راغبًا في العلم، ونفي الجهل عن نفسه، باحثًا عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه، فلا بأس به؛ فشفاء العي السؤال، ومن سأل متعنتًا غير متفقه ولا متعلم؛ فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيرة. (٣)


(١) الموافقات للشاطبي (٤/ ١٨٨: ١٨٩)، والحديث أخرجه البخاري (٢٣٢٥)، ومسلم (٢٦٦٨).
(٢) تفسير القرطبي (٦/ ٣١٤).
(٣) نقلًا عن القرطبي في التفسير (٦/ ٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>