ففي الآية الأولى تأكيد بأنه سيأتيهم منها {سَآتِيكُمْ مِنْهَا} أما الآية الأخرى نرى أنه غير متأكد ويدلل على هذا بقوله: {لَعَلِّي}.
والرد على ذلك من وجوه:
[الوجه الأول.]
فإن قلت:{سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} و {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} كالمتدافعين، لأن أحدهما ترجٍ والأخر تيقن.
قلت: قد يقول الراجي إذا قوى رجاؤه: سأفعل كذا، وسيكون كذا مع تجويزه الخيبة. كيف جاء بسين التسويف؟ قلت: عدة لأهله أنه يأتيهم به وإن أبطأ، أو كانت المسافة بعيدة.
فإن قلت: فلم جاء بـ (أو) دون الواو؟ قلت: بني الرجاء على أنه إن لم يظفر بحاجتيه جميعًا لم يعدم واحدة منهما: إما هداية الطريق، وإما اقتباس النار، ثقة بعادة الله أنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده، وما أدراه حين قال ذلك أنه ظافر على النار بحاجتيه الكليتين جميعًا وهما العزَّان: عز الدنيا وعز الآخرة.
زيادة وتوضيح: كان الطريق قد اشتبه على سيدنا موسى والوقت بارد والسير في ليل، فتشوقت نفسه إذ رأى النار إلى زوال ما لحق من إضلال الطريق وشدة البرد، فقال:{سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} وأي: مِنْ موقدها بخبر يدل على الطريق أو {آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ} أي: إن لم يكن هناك مَنْ يخبر فإني أستصحب ما تدفؤون به منها، وهذا الترديد بـ (أو) ظاهر؛ لأنه كان مطلوبه أولًا أن يلقى على النار من يخبره الطريق فإنه مسافر ليس بمقيم، فإن لم يكن