قد نسوا شريعة إسماعيل، وإبراهيم عليهما السلام قال تعالى:{وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}(الضحى: ٧)، وقال تعالى:{لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ}(يس: ٦) فإن كان النبي متعبدًا بشريعة ما، فقد أبطلنا آنفًا أن يكون نبي يعصي ربه أصلًا، وإن كان نشأ في قوم دثرت شريعتهم فهو غير متعبد، ولا مأمور بما لم يأته أمر الله تعالى به، فليس عاصيًا لله تعالى في شيء يفعله أو يتركه، إلا أننا ندري أن الله عز وجل قد طهر أنبياءه، وصانهم من كل ما يعابون به؛ لأن العيب أذى، وقد حرم الله عز وجل أن يؤذى رسوله قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}(الأحزاب: ٥٧).
قال أبو محمد: فبيقين ندري أن الله تعالى صان أنبياءه عن أن يكونوا لبغيةٍ، أو من أولاد بغي، أو من بغايا، بل بعثهم الله تعالى في حسب قومهم؛ فإذ لا شك في هذا، فبيقين ندري أن الله تعالى عصمهم قبل النبوة من كل ما يؤذون به بعد النبوة، فدخل في ذلك السرقة، والعدوان، والقسوة، والزنا، واللياطة، والبغي، وأذى الناس في حريمهم، وأموالهم، وأنفسهم، وكل ما يعاب به المرء ويتشكى، منه ويؤذى بذكره.
ثم قال: فصح أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يعص قط بكبيرة، ولا بصغيرة، لا قبل النبوة ولا بعدها، ولا هم قط بمعصية صغرت أو كبرت، لا قبل النبوة ولا بعدها، إلا مرتين بالسمر، حيث ربما كان بعض ما لم يكن نهى عنه بعد، والهم حينئذ بالسمر، ليس همًا بزنا، ولكنه بما يحذوا إليه طبع البرية من استحسان منظر حسن فقط. وبالله تعالى التوفيق. (١)
[وما دام الحال كذلك فما هو توجيه النصوص التي اعتمد عليها من يقول إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان على دين قومه قبل بعثته]
والجواب أنهم اعتمدوا على نصوص قرآنية لم يفهموها الفهم الصحيح، وعلى نصوص من السنة، منها ما صح، ولم يفهم فهمًا صحيحًا، ومنها ما لم يصح، ونحن نذكر هذه النصوص، ونوجه ما صح منها، ونبين ضعف ما لا حجة فيه.