للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هكذا سماه القرآن حيث يقول: {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي} [الأعراف: ٢٠٣]، ويقول: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [يونس: ١٥] وأمثال هذه النصوص كثيرة في شأن إيحاء المعاني، ثم يقول في شأن الإيحاء اللفظي: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: ٢]، {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: ٦]، {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٦ - ١٩]، {اقْرَأْ} [العلق: ١]، {وَاتْلُ} [الكهف: ٢٧]، {وَرَتِّلِ} [المزمل: ٤] فانظر كيف عبر بالقرآن بالقراءة والإقراء، والتلاوة والترتيل، وتحريك اللسان، وكون الكلام عربيًا، وكل أولئك من عوارض الألفاظ لا المعاني البحتة.

القرآن إذًا صريح في أنه "لا صنعة فيه لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا لأحد من الخلق، وإنما هو منزل من عند الله بلفظه ومعناه"، والعجب أن يبقى بعض الناس في حاجة إلى الاستدلال على الشطر الأول من هذه المسألة، وهو أنه ليس من عند محمد - صلى الله عليه وسلم - (١).

الوجه الثاني: عجز البشر أن يأتوا بمثله دليلٌ أنه من عند الله.

لو كان القرآن من تأليف النبي - صلى الله عليه وسلم -، لاستطاع العرب أن يأتوا بمثله، مع حرصهم الشديد على معارضته، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتحداهم دائمًا ويكرره عليهم كثيرًا، ومع هذا لم يطق أحد منهم معارضته.

قال الشوكاني: قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} أي: إن كان الأمر كما تزعمون من أن محمدًا افتراه، فأتوا أنتم على جهة الافتراء بسورة مثله في البلاغة، وجودة الصناعة، فأنتم مثله في معرفة لغة العرب وفصاحة الألسن وبلاغة الكلام {وَادْعُوا} بمظاهريكم ومعاونيكم {مَنِ اسْتَطَعْتُمْ} دعاءه والاستعانة به، من قبائل العرب، ومن آلهتكم التي تجعلونهم شركاء لله. وقوله: {مِنْ دُونِ اللَّهِ} متعلق بـ {وَادْعُوا}: أي ادعوا


(١) النبأ العظيم لعبد الله دراز (٤٩ - ٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>