ذاته ولا صفاته، ولا في أفعاله وأقواله، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين؛ ولهذا قال تعالى:{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي: مثل هذا القرآن لا يكون إلا من عند الله، ولا يشبه هذا كلام البشر، {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} أي: من الكتب المتقدمة، ومهيمنا عليها، ومبينا لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل.
وقوله:{وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي: وبيان الأحكام والحلال والحرام، بيانًا شافيًا كافيًا حقًا لا مرية فيه من الله رب العالمين. (١)
لقد علم الناس أجمعون - علمًا لا يخالطه شك - أن هذا الكتاب العزيز جاء على لسان رجل عربي أمي، ولد بمكة في القرن السادس الميلادي، اسمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - صلى الله عليه وسلم -، هذا القدر لا خلاف فيه بين مؤمن وملحد؛ لأن شهادة التاريخ المتواتر به لا يماثلها ولا يدانيها شهادته لكتاب غيره ولا لحادث غيره ظهر على وجه الأرض.
أما بعد؛ فمن أين جاء به محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -؟ أَمنْ عند نفسه ومن وحي ضميره، أم من معلم؟ ومَن هو ذلك المعلم؟
نقرأ في هذا الكتاب أنه ليس من عمل صاحبه، وإنما هو قول رسول كريم، ذي قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثَمَّ أمين: ذلكم هو جبريل - عليه السلام -، تلقاه من لدن حكيم عليم، ثم نزله بلسان عربي مبين على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فتلقنه محمد منه كما يتلقن التلميذ عن أستاذه نصًا من النصوص، ولم يكن له فيه من عمل بعد ذلك إلا:
١) الوعي والحفظ. ٢) ثم التبليغ.
٣) ثم البيان والتفسير. ٤) ثم التطبيق والتنفيذ.
أما ابتكار معانيه وصياغة مبانيه فما هو منها بسبيل، وليس له من أمرهما شيء إن هو إلا وحيٌ يوحى.