للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلًا فإن مشاهدة أحكام الشرع بالفعل، مما يقوى بها العلم، ويستقر به الفهم، ويكون أقرب لإصابة الصواب، فلا يزاد فيه ولا ينقص، واللَّه أعلم (١).

[الوجه الثاني: في العلة من نهي العباد عن أن تأخذهم رأفة بالزناة.]

ذكر ابن القيم: أن اللَّه سبحانه خص حد الزنا من بين الحدود بثلاث خصائص، منها: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه بحيث تمنعهم من إقامة الحد عليهم، فإنه سبحانه من رأفته بهم ورحمته بهم شرع هذه العقوبة فهو أرحم بكم منكم بهم ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة فلا يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره (٢).

تم تكلم عن الحكمة من تشريع هذه الخاصية فقال: وهذا وإن كان عامًا في سائر الحدود ولكن ذكر في حد الزنا خاصة لشدة الحاجة إلى ذكره فإن الناس لا يجدون في قلوبهم من الغلظة والقسوة على الزاني ما يجدونه على السارق والقاذف وشارب الخمر فقلوبهم ترحم الزاني أكثر مما ترحم! من أرباب الجرائم والوقائع والواقع مما بعد ذلك فنهوا أن تأخذهم هذه الرأفة وتحملهم على تعطيل حد اللَّه عز وجل، وسبب هذه الرحمة أن هذا ذنب يقع من الأشراف والأوساط والأراذل وفي النفوس أقوى الدواعي إليه والمشارك فيه كثير وأكثر أسبابه العشق، والقلوب مجبولة على رحمة العاشق وكثير من الناس يعد مساعدته طاعة وقربه، وإن كانت الصورة المعشوقة محرمة عليها ولا يستنكر هذا الأمر فهو مستقر عند من شاء اللَّه من أشباه الأنعام، ولقد حكى لنا من ذلك شيء كثيرًا كثرة عن ناقصي العقول والأديان كالخدم والنساء، وأيضًا فإن هذا ذنب غالب ما يقع مع التراضي من الجانين فلا يقع فيه من العدوان والظلم والاغتصاب ما تنفر النفوس منه. وفيها شهوة غالبة له فتصور ذلك لنفسها فتقوم بها رحمة تمنع


(١) تفسير السعدي ١/ ٥٦١.
(٢) الداء والدواء (٢١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>