للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} يقول: إن كنتم تصدّقون باللَّه ربكم وباليوم الآخر، وأنكم فيه مبعوثون لحشر القيامة، وللثواب والعقاب، فإن من كان بذلك مصدّقا، فإنه لا يخالف اللَّه في أمره ونهيه؛ خوف عقابه على معاصيه. وقوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} يقول تعالى ذكره: وليحضر جلد الزانيين البكرين وحدّهما إذا أقيم عليهما طائفة من المؤمنين. والعرب تسمي الواحد فما زاد: طائفة. {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} يقول: من أهل الإيمان باللَّه ورسوله (١).

وقال ابن كثير: وقوله: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} أي: فافعلوا ذلك: أقيموا الحدود على من زنى، وشددوا عليه الضرب، ولكن ليس مبرِّحًا؛ ليرتدع هو ومن يصنع مثله بذلك. وقد جاء في المسند عن بعض الصحابة أنه قال: يا رسول اللَّه، إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها، فقال: "ولك في ذلك أجر".

وقوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}: هذا فيه تنكيل للزانيين إذا جُلِدا بحضرة الناس، فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما، وأنجع في ردعهما، فإن في ذلك تقريعًا وتوبيخًا وفضيحة إذا كان الناس حضورًا (٢).

وقال السعدي: ونهانا تعالى أن تأخذنا رأفة (بهما) في دين اللَّه، تمنعنا من إقامة الحد عليهم، سواء رأفة طبيعية، أو لأجل قرابة أو صداقة أو غير ذلك، وأن الإيمان موجب لانتفاء هذه الرأفة المانعة من إقامة أمر اللَّه، فرحمته حقيقة، بإقامة حد اللَّه عليه، فنحن وإن رحمناه لجريان القدر عليه، فلا نرحمه من هذا الجانب، وأمر تعالى أن يحضر عذاب الزانيين طائفة، أي: جماعة من المؤمنين، ليثتهر ويحصل بذلك الخزي والارتداع، وليشاهدوا الحد


(١) تفسير الطبري ٩/ ٢٥٦.
(٢) تفسير ابن كثير ٣/ ٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>