للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دين اللَّه، وقال آخرون: بل معنى ذلك: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} فتخفِّفوا الضرب عنهما، ولكن أوجعوهما ضربًا (١).

ثم قال: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: ولا تأخذكم بهما رأفة في إقامة حدّ اللَّه عليهما الذي افترض عليكم إقامته عليهما.

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب، لدلالة قول اللَّه بعده: "في دين اللَّه"، يعني في طاعة اللَّه التي أمركم بها. ومعلوم أن دين اللَّه الذي أمر به في الزانيين: إقامة الحد عليهما، على ما أمر من جلد كل واحد منهما مئة جلدة، مع أن الشدّة في الضرب لا حدّ لها يوقف عليه، وكل ضرب أوجع فهو شديد، وليس للذي يوجع في الشدة حدّ لا زيادة فيه فيؤمر به. وغير جائز وصفه جلّ ثناؤه بأنه أمر بما لا سبيل للمأمور به إلى معرفته، وإذا كان ذلك كذلك، فالذي للمأمورين إلى معرفته السبيل، هو عدد الجلد على ما أمر به، وذلك هو إقامة الحد على ما قلنا. وللعرب في الرأفة لغتان: الرأفة بتسكين الهمزة، والرآفة بمدها، كالسأمة والسآمة، والكأبة والكآبة. وكأن الرأفة المرّة الواحدة، والرآفة المصدر، كما قيل: ضؤل ضآلة مثل فعل فعالة، وقبح قباحة (٢).


(١) الطبري ١٠/ ٦٨: ٦٦، ومعنى (في دين اللَّه) أيضًا: أي في حكم اللَّه وطاعته كما قال تعالى (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) أي في حكمه، وقيل: أي في طاعة اللَّه وشرعه فيما أمركم به من إقامة الحدود، راجع: تفسير القرطبي لسورة النور (٢)، فتح القدير للشوكاني النور (٢).
(٢) ورجح هذا القول الرازي وعلق بقوله: لأن الذي تقدم ذكره الأمر بنفس الجلد، ولم يذكر صفته، فما يعقبه يجب أن يكون راجعًا إليه وكفى برسول اللَّه أسوة في ذلك حيث قال: "لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها" ونبه بقوله في دين اللَّه على أن الدين إذا أوجب أمرًا لم يصح استعمال الرأفة في خلافه. وقال القرطبي: هذا قول جماعة أهل التفسير.
وقال ابن كثير: وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية [ألا تكون حاصلة] على ترك الحد، [وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد] فلا يجوز ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>