للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلاف العذاب وضدها، وتلك الأحاديث بهذا الوجه تقرير؛ لأن جميع الحروف نازلة من عند الله {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}.

وهاك برهانًا آخر ذكره صاحب التبيان في مثل هذا المقام إذ يقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم البراء بن عازب دعاءً فيه هذه الكلمة (ونبيك الذي أرسلت) فلما أراد البراء أن يعرض ذلك الدعاء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ورسولك الذي أرسلت فلم يوافقه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك؛ بل قال له: "لا. ونبيك الذي أرسلت" (١). وهكذا نهاه - صلى الله عليه وسلم - أن يضع لفظة رسول موضع لفظة نبي مع أن كليهما حق لا يحيل معنى إذ هو - صلى الله عليه وسلم - رسول ونبي معًا، ثم قال: فكيف يسوغ للجهال المغفلين أن يقولوا: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجيز أن يوضع في القرآن الكريم مكان عزيز حكيم غفور رحيم أو سميع عليم. وهو يمنع من ذلك في دعاء ليس قرآنًا والله يقول مخبرًا عن نبيه: {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} ولا تبديل أكثر من وضع كلمة مكان أخرى؟ (٢).

الوجه الثالث: أن ذلك كان رخصة لعسر تلاوته بلفظ واحد على الأميين ثم نسخ وإلا لجازت روايته بالمعنى، ولذهب التعجد بلفظه، ولا تسع الخرق، ولفات كثير من الأسرار والأحكام وهذا يستدعي نسخ الحديث وفيه بعد؛ بل لا قائل به (٣).


(١) الحديث عند البخاري (٢٤٤)، ونصه: عن البراء بن عازب، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك، فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به". قال: فرددتها على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما بلغت: اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال: "لا، ونبيك الذي أرسلت".
(٢) مناهل العرفان في علوم القرآن ١/ ١٨٥.
(٣) روح المعاني ١/ ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>