للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينتقص بمن أغناه بزعمه عن التوبة من حيث زعم أنه معظِّم له، إذ عطله عن هذه الطاعة العظيمة التي هي من أجل الطاعات، وأكمل الخلق أكملهم توبةً وأكثرهم استغفارًا (١).

فحال العبد مع ربه في جميع أعماله، فهو يعلم أنه لا يوفي هذا المقام حقه، فهو أبدًا يستغفر الله عقيب كل عمل، والعارف يسير بين مشاهدة المنة من الله ومطالعة عيب النفس والعمل، فشهود المنة يوجب له المحبة لربه سبحانه وحمده والثناء عليه ومطالعة عيب النفس والعمل يوجب استغفاره ودوام توبته وتضرعه واستكانته لربه سبحانه (٢).

السادسة: كيف تكون الأعمال الصالحة أسبابًا للتكفير عن الذَّنْب؟

لكي نفهم صلاحية الأعمال الصالحة لتكفير الذنوب فإننا نحتاج أن نتعرف على معنى الإسلام والإيمان، فإن الإسلام يعني الاستسلام والانقياد والخضوع لك، والإيمان يدخل في مسماه جميع ما يحب الله ورسوله من أقوال العبد وأعماله الباطنة والظاهرة، والإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وجميع الطاعات فرضها ونقلها تدخل في مسماه سواء كانت من أعمال الجوارح أو القلوب، فأصل الإيمان هو ما في القلب والأعمال الظاهرة لازمة لذلك. (٣)

ولا يتصور وجود إيمان القلب الواجب مع عدم جميع أعمال الجوارح بل متى نقصت الأعمال الظاهرة كانت لنقص الإيمان الذي في القلب فلا يكتفي بإيمان القلب بل لابد معه من الأعمال الصالحة، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله"، فإن إيقان العبد بلقاء ربه واطمئنان قلبه الإيمان ببعث الجوارح كلها للقيام بالعمل الصالح، وعندما يكون الإيمان في القلب فإن ذلك يدعوا صاحبه لعمل المأمور وترك المحظور، والناس يتفاوتون في إيمانهم على أقسام ثلاثة (سابق بالخيرات، ومقتصد، وظالم لنفسه)، فالسابقون مختصون بالمستحبات، والمقتصدون الأبرار هم عموم المؤمنين المستحقون


(١) شفاء العليل لابن القيم (٢٤٢: ٢٤٣).
(٢) طريق الهجرتين لابن القيم (١٥٧).
(٣) فتح الباري لابن رجب الحنبلي ١/ ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>