للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفعل ما يبغضه الحق ويسخطه من الكفر والفسوق والعصيان، ومن فعل الكبائر وأصر عليها ولم يتب منها فإن الله يبغض منه ذلك، ومن ظن أن الذنوب لا تضره لكون الله يحبه مع إصراره عليها كان بمنزلة من زعم أن تناول السم لا يضره مع مداومته عليه وعدم تداويه منه بصحة مزاجه، فليس للعبد أن يذنب، وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب (١).

فاتباع الشريعة والقيام بالجهاد من أعظم الفروق بين أهل محبة الله وأوليائه الذين يحبهم ويحبونه وبين من يدعى محبة الله، فالدين الحق تحقيق العبودية لله بكل وجه وهو تحقيق محبة الله بكل درجة وبقدر تكميل العبودية تكمل محبة العبد لربه وتكمل محبة الرب لعبده، وبقدر نقص هذا يكون نقص هذا (٢).

فإن من باشر قلبه الإيمان بقيام الله عليه ورؤيته له وتحريمه لما حرم عليه وبغضه له ومقته لفاعله، وباشر قلبه الإيمان بالثواب والعقاب والجنة والنار عمل بموجب هذا العلم، ومن ظن أنه يقوى ما على ترك المخالفات والمعاصي بدون الإيمان الراسخ الثابت فقد غلط، ومحبة الله هي أقوى الأسباب في الصبر عن مخالفته ومعاصيه فإن المحب لمن يحب مطيع.

وأمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- جميع المؤمنين من أولهم إلى آخرهم بالتوبة ولا يستثني من ذلك أحد وعلق فلاحهم بها، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وهو سبحانه لمحبته للعفو والتوبة خلق خلقه على صفات وهيئات وأحوال تقتضي توبتهم إليه واستغفارهم وطلبهم عفوه ومغفرته، وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة لقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم.

والله تعالى يحب التوابين والتوبة من أحب الطاعات إليه ويكفي في محبتها شدة فرحه بها، فتأمل محبته سبحانه لهذه الطاعة التي هي أصل الطاعات وأساسها، فإن من زعم أن أحدًا من الناس يستغني عنها ولا حاجة به إليها فقد جهل حق الربوبية ومرتبة العبودية،


(١) مجموعة التوحيد لابن تيمية (٤٢٨: ٤٣٨).
(٢) مجموعة التوحيد لابن تيمية (٤٤٠: ٤٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>