للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسرحته معنا فأقمنا به شهرين أو ثلاثة فبينًا نحن خلف بيوتنا وهو مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا جاءنا أخوه يشتد فقال: ذاك أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بياض فأضجعاه فشقا بطنه، فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فنجده قائمًا منتقعًا لونه، فأعتنقه أبوه، وقال: أي بني ما شأنك؟ قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بياض فأضجعاني فشقا بطني ثم استخرجا منه شيئًا فطرحاه ثم رادوا كما كان، فرجعنا به معنا فقال أبوه: يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب انطلقي بنا فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما يتخوف، قالت: فاحتملناه فلم ترع أمه إلا به قد قدمنا به عليها فقالت: ما ردكما به؟ قد كنتما عليه حريصين، فقلنا: لا والله يا ظئر إلا أن الله عز وجل قد أدى عنا وقضينا الذي علينا، وقلنا: نخشى الأتلاف والأحداث نرده إلى أهله، فقالت: ما ذلك بكما فأصدقاني شأنكما، فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره، فقالت: أخشيتما عليه الشيطان؟ كلا والله ما للشيطان عليه سبيل، وإنه لكائن لابني هذا شأن ألا أخبركما بخبره؟ قلنا: بلى قالت: حملت به فما حملت حملًا قط أخف منه، فأريت في النوم حين حملت به كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام، ثم وقع حين ولدته وقوعًا ما يقعه المولود معتمدًا على يديه، رافعًا رأسه إلى السماء فدعاه عنكما. (١)

[الوجه الخامس: ذكر بعض الشهادات من غير المسلمين للنبي - صلى الله عليه وسلم -.]

أولًا: شهادة أبي سفيان له كما سبق من سؤال هرقل:

مع العلم بأن أبا سفيان كان من أشد الناس عداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكان من أحرص الناس


(١) سيرة ابن إسحاق ١/ ١٠، وأخرج القصة أيضا أبو يعلى في مسنده (١٣/ ٧٤/ ٧١٦٣)، والآجري في الشريعة (١/ ٤٣٨)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (٣/ ٩١)، وابن هشام في السيرة (١/ ١٠٥: ١٠٤) نلاحظ في الإسناد الجهالة في موضعين: الأول: جهالة من حدث عبد الله بن جعفر عن حليمة السعدية.
ثانيًا: جهالة من حدث جهم بن أبي جهم عن عبد الله بن جعفر.
وبالتالي سقط الإسناد؛ لأن الجهالة علة قوية تقدح في الإسناد، وعليه فلا يعتد به.
وعليه فلا يحتج بالقصة على ما زعمه هؤلاء من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان له إخوة، وإن كانت قصة رضاعه من حليمة السعدية قد اشتهرت شهرة تغني عن إسناد موثق لها.
ثم إننا لم نسمع ولم نقرأ فيما بين أيدينا من مصادر أن واحدًا من العرب الذين كانوا معاندين للنبي - صلى الله عليه وسلم - احتج عليه بمثل ما احتج به هؤلاء، ولو وجد لكانوا أحرص الناس على نشره وإذاعته والطعن به في النسب الشريف، سبحانك هذا بهتان عظيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>