للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{اللَّهِ} أي: غاية المسيح عليه السلام ومنتهى ما يصل إليه من مراتب الكمال أعلى حالة تكون للمخلوقين، وهي درجة الرسالة، التي هي أعلى الدرجات، وأجلّ المثوبات، وأنه {وَكَلِمَتُهُ} التي {أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} أي: كلمة تكلم الله بها فكان بها عيسى، ولم يكن تلك الكلمة، وإنما كان بها، وهذا من باب إضافة التشريف والتكريم.

وكذلك قوله: {وَرُوحٌ مِنْهُ} أي: من الأرواح التي خلقها، وكملها بالصفات الفاضلة والأخلاق الكاملة، أرسل الله روحه جبريل عليه السلام فنفخ في فرج مريم عليها السلام، فحملت بإذن الله بعيسى عليه السلام.

فلما بيّن حقيقة عيسى عليه السلام، أمر أهل الكتاب بالإيمان به وبرسله، ونهاهم أن يجعلوا الله ثالث ثلاثة: أحدهم عيسى، والثاني مريم، فهذه مقالة النصارى قبحهم الله.

فأمرهم أن ينتهوا، وأخبر أن ذلك خير لهم، لأنه الذي يتعين أنه سبيل النجاة، وما سواه فهو طريق الهلاك، ثم نزه نفسه عن الشريك والولد فقال: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي: هو المنفرد بالألوهية، الذي لا تنبغي العبادة إلا له. {سُبْحَانَهُ} أي: تنزه وتقدس {أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} لأن {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} فالكل مملوكون له مفتقرون إليه؛ فمحال أن يكون له شريك منهم أو ولد.

ولما أخبر أنه المالك للعالم العلوي والسفلي أخبر أنه قائم بمصالحهم الدنيوية والأخروية وحافظها، ومجازيهم عليها تعالى (١).

الدليل الثاني عشر: تكذيب الله لهم في قولهم: إن المسيح ابن الله: قال تعالى: {وَقَالتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (التوبة: . ٣). فقوله: {وَقَالتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} قالوا


(١) تفسير السعدي ١/ ٢١٦، وانظر تفسير ابن كثير في هذا الموضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>